تعتبر جبنة الغنم البيضاء من أهم الأطباق على مائدة الفطور الأردنية, فلا تكاد تخلو أي "نملية مونة" أردنية من عدد لا بأس به من "قطرميزات" الجبنة البيضاء المغلية. بالاضافة الى اعتبارها كمرافق أساسي للبطيخ في فصل الصيف, حيث اعتادت معظم ربات البيوت على تقديم وجبة "البطيخ و الجبنة" في أيام الحر الشديدة كبديل عن وجبة الغذاء أو العشاء, ناهيك عن ارتبطها الوثيق "بالخيار" في الكثير من السندويشات المتداولة, و يعتمد عليها البعض باعتبارها "تصبيرة" بين الوجبات اليومية الثلاث.
يبدأ موسم الجبنة مع بداية فصل الربيع و ذلك لتوفر كميات هائلة من حليب الغنم و الماعز في هذه الفترة بالتحديد من كل عام, فتبدأ العائلات بالتوافد على المناطق المشهورة ببيع منتجات الحليب لشراء "مونة السنة" من الجبنة البيضاء التي قد تباع بطريقتين: مغلية أو بدون غلي.
تبدأ ربة المنزل بالتخطيط لرحلة البحث عن الجبنة مع بداية العام بسؤال جاراتها "من وين جبتوا جبنتكوا السنة؟", فترد احدى الجارات بانها اشترت "نصيّتين جبنة مغلية" من أحد المولات, و لكنها لا تنصح بشرائها و ذلك لأنها "بتفرط مع التحلاي", و تضيف بأن زوجها نصحها بعدم الشراء بحجة أن "جبنة المولات حليب بودرة" و لكنها لم تصغ له كالعادة مما دفعه الى "الحرد عنها" بقوله "والله ما بذوقها".
أما الجارة الثانية فتبدأ بسرد قصتها مع الجبنة لهذا العام, حيث أن زوجها " الله لا يتيرله" قام بشراء كمية كبيرة من الجبنة الغير مغلية" جبنة خضرا" لاقتناعه أن مهمة "غلي الجبنة" من اختصاص ربة المنزل. فما كان منها الا أن حردت و أضربت عن العمل بحجة أن "ظهرها بوجعها" ثم ذهبت لبيت أهلها لتجد أمها "بتغلي جبنة" فانطبقت عليها مقولة: " هربنا من الدلف و جينا تحت المزراب"
الجارة الثالثة امتنعت عن شراء الجبنة لهذا العام, و ذلك بسبب نصيحة طبيبها بأن تبتعد عن كل ما هو مالح لتجنب ارتفاع ضغطها, و تضيف بأن "جبنة هالأيام صرصور ملح", و "الجبنة الحلوة ما الها طعم", ثم تختم الحديث بقولها " ما جابلي الضغط غيره", و تقصد بذلك زوجها.
بعد الاستشارة و السؤال, تحدد ربة المنزل لجنة خاصة تسمى "لجنة الجبنة" برئاستها و عضوية زوجها و أحد أبنائها, ثم تحدد و بشكل مسبق يوم خاص لاحضار الجبنة, و يراعى في هذا اليوم أن يكون "جمعة" للاستفادة من عطلة الزوج أو الابن. و تصر أن تحضرها من "ملبنة خاصة" و ليس من أحد المولات لأن "جبنة المولات بودرة" و أن تكون مغلية لأن "ظهرها بوجعها" و أن تكون معتدلة الملوحة لأنه "بكفيها الضغط اللي جابلها اياه زوجها". تنتظر ربة المنزل شروق يوم الجبنة بفارغ الصبر, و تقوم بالتنبيه على زوجها في الليلة السابقة بترديد عبارة "بكرة جبنة" بشكل مستمر. و من باب الحيطة و الحذر, تقوم بالتنسيق مع الابن ليحل محل أبيه في مشوار الجبنة في حال امتناعه عن الذهاب, و هو ما يحدث غالبا.
تقوم الأم بايقاظ ابنها في صبيحة يوم الجبنة, و تعده بالرجوع قبل موعد الفطور. عند الوصول الى "الملبنة" تقوم بالتأكد من مطابقتها لمواصفات السلامة العامة و تفوقها في مجال النظافة, و تصر على الدخول الى المشغل لمشاهدة كيفية التحضير , و قد تطالب بحقها في التذوق للتأكد بأنها جبنة غنم " بياض" و ليس ماعز " سمار". ثم تذهب الى المحل المجاور. تمر الساعات و الأم ما زالت مترددة بشأن أي المحلات هو الأفضل للشراء, في نهاية الأمر تعود الى المحل الأول و تشتري "نصية جبنة واحدة" بهدف التجربة قبل شراء "مونة السنة" كاملة.
عند العودة الى المنزل, تقوم الأم بفتح "نصية الجبنة" ووضع القليل منها على مائدة الفطور لتجربتها, يبدأ الجميع بتذوق الجبنة و اعطاء الملاحظات بشأن طعمها و ملوحتها. بعد الفطور تجتمع "لجنة الجبنة" برئاسة الأم لمناقشة قضية الجبنة و سماع رأي الأعضاء في "النصية", لا يتم التوصل الى توصيات مشتركة بِشأن الجبنة, فتلجأ اللجنة الى التصويت. الأب معارض, الأم موافقة, الابن ممتنع عن التصويت, يتم ترجيح رأي الأم باعتبارها رئيس اللجنة و تحدد يوم الجمعة القادم لاستكمال شراء "مونة السنة" من الجبنة.
mustangman2074@yahoo.com
1 comment:
خلصت الجبنة من عندي يا موستانج و صار بدنا مونة للسنة
حلوة و ملعوبة
Post a Comment