كان يسترق النظر إليها كلما سنحت له الفرصة, كتابه المفتوح لم يكن إلا غطاء يحجب به عينيه, و تظاهره بالقراءة كان خدعة اعتاد أن يستخدمها كي يطيل بقاءه في جوارها. كانت نظراته قصيرة و لكنها متتابعة كي لا يلفت انتباهها, و في بعض الأحيان كانت ترتفع ببصرها إليه, تبتسم له فيبتسم لها, ثم يعود كل منهما إلى تقليب صفحات كتابه بسرعة.كان قلبه يخفق بشدة كلما نظر إليها كأنما يراها لأول مرة, فيحاول إخفاء ذلك بتحسس رأسه, أو برشفة من فنجان قهوته الباردة, و بين الفينة و الأخرى كان يخلع نظارته ويمسحها بمنديل صغير لينفي كل شك قد يساورها في أمره أو ليظهر انسجامه فيما يقرأ, ثم يرجع للنظر مرة أخرى, يقلب صفحات الكتاب, يتحسس رأسه ثم يأخذ رشفة من القهوة.أما هي فقد كانت تعلم بأمره برغم محاولاته اليائسة لإخفاء ذلك, إلا أن نظراته لم تكن لتثير الدهشة في نفسها, فقد تعودت عليها منذ زمن بعيد, و لم تكن لتنكر مدى سعادتها بتصرفاته الغريبة, فهي تعرف أن اعجابه بها يعود إلى سنوات طويلة, ذلك الإعجاب الذي خطه بقلم حبه في كتاب ذاكرتها الذي امتلأ بأحداث كثيرة.رجع بذاكرته إلى شبابه القريب البعيد, امتلأ وجهه حيوية حينما تذكر رؤيته لها للمرة الأولى, ابتسم حين تذكر ابتسامتها البريئة فأغمض جفونه ليستذكر أول لقاء جمع بين عينيهما الشابتين, أخذ نفسا عميقا و هو يستذكر إحدى لحظات عمره الجميلة, تلك اللحظة التي تعطلت بها ساعة الزمن عن الدوران ليفاجأ أنه لم يعد يتمنى إلا شيئا واحدا, أن يضع اسمها وراء كل قصيدة حب, و أن يردد لحنه مع كل لحن جميل تطرب على أنغامه كل أبطال قصص الحب العظيمة, و تتراقص مع إيقاعه أكثر الورود حمرة, و تلتئم لعذوبته أكثر جروح الحب عمقا. حينها, قرر أن يستسلم لسحرها الذي لم يذكر بعد في كتب السحر القديم, و أن يستبدل قلبه العاشق بحجر خاتم ذهبي تضعه في أحد أصابعها إلى الأبد.عاد ليتحسس رأسه حين عبق أنفه بذكرى رائحة فستانها الأبيض في ليلة زفافهما, و ذرفت إحدى عينيه دمعة ساخنة سلكت طريقا طويلا فوق تجاعيد وجهه قبل أن تسقط لتذيب أحد حروف كتابه القديم. خلع نظارته مرة أخرى ثم تناول عكازه الخشبي ليساعده على الوقوف, اقترب منها ليطبع قبلة فوق جبينها الذي أرهقته السنوات, ثم مضى في سبيله.
mustangman2074@yahoo.com
mustangman2074@yahoo.com
No comments:
Post a Comment