Tuesday, January 23, 2007

رقعة الشطرنج

برعت في لعبة الشطرنج منذ الصغر عقب أن أحضر لي والدي تلك العلبة الفاخرة حين كنت في التاسعة من عمري, كان عليها شعار احدى شركات الطيران العالمية و لها غطاء جلدي أسود اللون توضع بداخله بعد الانتهاء من اللعب.
أما احجارها فلم تكن تختلف عن أحجار أي لعبة شطرنج أخرى, سوى أنها تحتوي على مغناطيس صغير في أسفلها لتحفظ توازنها و تمنع الغش أثناء اللعب, أو كما قال والدي حين سألته عن أهميته: " لتمنع الجنود من الهروب".
تحتوي لعبة الشطرنج على رقعة مربعة الشكل مقسمة الى مربعات صغيرة باللونين الأسود و الأبيض, و تحتوي أيضا على فريقين من الأحجار السوداء و البيضاء, و يبدو أن اختيار اللونين الأسود و الأبيض لم يكن بمحض صدفة, ففي اعتقادي أن في ذلك اشارة واضحة الى الصراع الأزلي و النزاع المستمر بين الخير بثوبه الأبيض و الشر بلباسه الأسود.
في لعبة الشطرنج هناك جيش من الجنود يقف في الصف الأمامي لكل فريق ليحمي من خلفه من القلاع و الفرسان و ليشكل الخط الدفاعي الأول لكل فريق في مواجهة عدوّه و مما يميز الجنود أنها لا تستطيع الرجوع الى الخلف, فهي تتحرك الى الأمام فقط لتفسج المجال أما القلاع و الفرسان للفتك بعدوّهم و تحقيق النصر.
في بداية اللعبة, يبدأ أحد الجنود اليبض بالحركة خطوتين الى الأمام معلنا بداية المعركة, ثم يليه أحد الجنود السود بحركة واحدة الى الأمام, ثم يبدأ الصراع و يختلط الحابل بالنابل و يبدأ الجنود بالسقوط ثم يتبعهم الفرسان و القلاع و الوزراء, حتى لا يبقى الا الملك الذي تنتهي اللعبة بموته, و أعظم نصر قد يتحقق في هذه اللعبة حين يموت الملك بيد ملك آخر.
ازداد اعجابي و تعلقي بلعبة الشطرنج مع تقدمي بالسن و دخولي مرحلة الشباب, حتى لعبتها مع الجميع من أصدقائي و معارفي, و كان الفوز حليفي في معظم الاحيان, و لم أكتف بذلك و حسب, بل رحت أبحث عن أشخاص جدد لألعب معهم هذه اللعبة الجميلة.
في تلك المرحلة, ظننت أن الحياة بأكملها تسير وفقا لقوانين لعبة الشطرنج و قواعدها البسيطة, و رحت أطبق تلك القوانين في حياتي الخاصة و حياة الآخرين اقتناعا مني أن الحياة قد تتشابه مع الشطرنج في مثاليتها و قيمها العليا, و لكنني تفاجأت مؤخرا بالواقع الأليم و الحقائق المريرة, فأمنع القلاع و أحصنها قد تسقط كما سقطت بغداد العرب, أما الجنود فقد يهربون من أرض المعركة و يلقون ببزاتهم العسكرية في الأنهار, أما الفرسان فقد لا تحمل الا ألقابها فقط, أما الملوك فليس شرطا أن تموت علي يد الملوك, فزمرة من الجبناء تكفي لاعدام أعظم القوّاد.
في ذلك اليوم, تناولت لعبة الشطرنج خاصتي بغطائها الجلدي الرائع, تفحصتها جيدا و أحصيت أحجارها لأتأكد من اكتمالها ثم وضعت الأحجار على الرقعة كل في مكانه الخاص لألعب مع ذاتي آخر لعبة شطرنج. لم أكن أبحث عن الفوز بقدر اهتمامي بتطبيق قوانين اللعبة بحذافيرها. فور انتهائي من اللعبة التي لم يفز بها أحد أرجعتها في غطائها ثم أعطيتها الى أحد الأطفال قائلا له: " استمتع بأحلامك قبل أن تدرك الحقيقة".