Friday, November 16, 2007

تفكير ايجابي


لا أتوقع أن أحدا يستطيع التغلب علي في مسألة التفكير الايجابي, أو كما يطلق عليه في شاشات التلفاز و الندوات و المحاضرات بمصطلح "بوزيتف ثنكنج", مع العلم بان تلك المحاضرات لم تكن لتنجح لولا وجبات الغذاء الفاخرة التي تتخللها.
بدأ مشواري مع "البوزتف ثنكنج" منذ ايام الطفولة, و بالرغم من انه كان "بوزتف ثنكنج" من نوع آخر يقترب في مفهومه من الاهمال, الا انه في النهاية نوع من انواعه, ذلك اني كنت و ما زلت اصغر افراد العائلة, أو الابن المدلل بفهم آخر, و نتيجة لذلك لم اكن اهتم بالاشياء التي افقدها او أخربها. و مثال ذلك اني لم احافظ على دراجتي الهوائية الاولي اقتناعا مني بان والدي سيحضر لي واحدة اخرى اجمل و اكبر من سابقتها, و كذلك الامر بالنسبة الى "طابات الأديداس و الأوفيشال, و مضارب التنس و الكرة الطائرة, و الأحذية الرياضية التي لها قصة طويلة, فقد كنت اعطل فرامل كل دراجاتي الهوائية حال استلامي لها, و أفرمل بواسطة احدي رجلي او كلتيهما, مما دفع والدتي الى الشكوى لابي الذي اجابها بان تلك ليست مشكلة و يضيف قائلا: " بدي أعمله بوت حديد عشان ما يهريه هالافكح" أو " بكرة لما يصير يدفع حقهم من جيبته بصير يدير باله عليهم"
تجلت لدي فكرة "البوزتف ثنكنج" في امتحانات الثانوية العامة, و خصوصا في امتحان الفيزياء, ففي قاعة الامتحان لم أجد ما يشغلني اكثر من التفكير بحال رسوبي اذا ما حدث فانني سارتاح من المدرسة و الحصص, و سافتح كراجا و سأدخن على راحتي دون أن تقوم ادارة المدرسة بانذاري أو استداعاء ولي امري, الذي لم يكن ليذهب اصلا بسبب انشغاله و سفره الدائم, اما امي فقد كانت تعلم بامر تدخيني و لم تكن لتخبر ابي خوفا من ان يقوم "بقص رقبتي" أو "سلخ فروة رأسي" و كنت افكر بطريقة "البوزتف ثنكنج" فيما يتعلق بتلك المشكلة, فاذا ما قرر والدي ان يضربني ساهرب و لن يلحق بي, ثم سيسافر مرة اخرى و سينسى قبل ان يعود ثانية.
في نفس الوقت كنت طالبا مجدا في المدرسة, لا اقول بانني كنت الأول في صفي, و لكني كنت من الأوائل, و كان لدي قدرة استيعابية كبيرة و خط جميل و كنت اهتم حقا في "دفتر التعبير" حيث لم تكن حصة التعبير حصة عادية بالنسبة لي, بل كانت فرصة لاظفر بحب اساتذة اللغة العربية و كسب بعض السجائر من بعض الطلاب الذين كنت اكتب لهم مواضيع التعبير قبل نهاية الحصة, برغم علم المدرس الذي كان "يغطرش على الموضوع" في الكثير من الاحيان لحبه الشديد لما اكتب, و في احيان اخرى كان يسمح لي باعطائهم الافكار و يمنعني من كتابتها لهم, و في ذلك يتجلى مفهوم "البوزتف ثنكنج"في ارقى صوره
كانت و لم تزل الحلويات هي الغذاء الروحي و الاساسي لتفكيري الايجابي و الذي اعتبره حالة نادرة, و مثال ذلك انني تناولت اكثر من "طبقين هريسة" بعد رجوعي الى المنزل من امتحان الفيزياء, و الامثلة المشابهة كثيرة, فلا استطيع السيطرة على نفسي بشكل عام و اسناني بشكل خاص عند ممارسة طقوس "البوزتف ثنكنج"
في هذا اليوم كنت بحاجة الى :البوزتف ثنكنج" فقد رسبت في امتحان القيادة للمرة الثانية, قد تختلف المعادلة الآن باختلاف المكان, فلو انني ما زلت في بلادي لفكرت بان والدي سيستغل نفوذه و سيتصل باحدهم مخاطبا اياه بجملته المعهودة: " لما كنت تلعب بالحارة كان على كتفي خمسين نجمة", و ستحضر رخصة قيادتي الى باب المنزل, أو الى أقرب "دكانة", اما هنا فلا املك اكثر من المرور باقرب محل تجاري و شراء كميات هائلة من الحلويات و الرجوع الى المنزل سريعا للانقضاض عليها و التهامها.
يبدو انني قد فهمت "البوزتف ثنكنج" بطريقة خاطئة, قد أكون بحاجة الى حضور بعض الندوات لاتعلم المعنى الحقيقي "للبوزتف ثنكنج" و اتناول طعام الغذاء مع اصحاب التفكير الايجابي الفذ , و محترفي "البوزتف ثنكنج"0

Wednesday, September 26, 2007

خسة

كثيرا ما يخترع الشباب "الشبيحة" في مرحلة المراهقة مصطلحات أو ألقاب يطلقونها على صديقاتهم الفتيات لوصفهم بشكل كامل و دقيق. و كثيرا ما ترتبط هذه الألقاب بالأشياء الملموسة و المحسوسة و "المأكولة" في عالم الشاب و بيئته. و مما يجدر ذكره أن لكل جيل مصطلحاته الخاصة والتي تختلف عن الجيل الذي سبقه أو الذي يليه.
احتلت الطيور مركزا متقدما بين تلك الألقاب عند الكثير من الشباب, فمصطلح "وزة" أو "بطة" يصف الفتاة الجميلة ذات الجسم الممتلئ, أما مصطلح "حمامة" فهو يصف الفتاة النحيلة ذات البشرة البيضاء و الطول الفارع.
و جاءت الخضروات في المرتبة الثانية حيث ظهر مصطلح "جزرة" ليصف الفتاة المكتنزة غير السمينة, و مصطلح "فلفلة" ليصف الفتاة اللعوب دائمة الحركة و النشاط, أما مصطلح "خسة" فهو أكثر المصطلحات قربا الى قلبي و لو كنت أملك قرارا لرشحت الشاب الذي اخترعه للحصول على جائزة نوبل في " الدواوين"
يصف مصطلح "خسة" فئة خاصة من الفتيات من عمر أربعة عشر عاما الي عمر ثمانية عشر عاما, و هو السن الذي تدخل فيه الفتاة مرحلة الدراسة الثانوية و تقوم فيه بتبديل لباسها المدرسي أو "المريول" الأزرق التي اعتادت على ارتداءه في المرحلة الاعدادية بمريول أخضر فاتح يشبه في لونه أوراق نبات الخس من حيث نضارته و جماله.
أذكر أنني اعتدت الوقوف مع الجموع الغفيرة من الشباب بعد انتهاء الحصة السابعة على باب مدرسة الفتيات الملاصقة لمدرستي, ثم نبدأ بتوزيع الغمزات و التعليقات و الابتسامات للكميات الهائلة من "الخسات" التي تتدفق و بشكل مستمر من باب المدرسة كأنك تقف وسط صحن من "السلطة". و كمثال للتعليقات "الديونجية" عبارة "امشي ع رمشي" و "يلعن عمري" أو التمتمة بعبارات غير مفهومة تفيد "انعطاب" أحد الشباب على تلك "الخسة". و لم نكن نكتفي بذلك فهناك طرق خاصة للفت انتباه "الخسات" منها تسريحة الشعر الغريبة أو اللحية و الشارب الخفيفان اللذان يميزان الشاب عن أقرانه من الآخرين الذين لم ينمو لهم الشعر بعد, ناهيك عن "كالونيا فريسكال" التي يضعها الشاب بالسر من زجاجة والده خوفا من ان يكسرها فوق راسه , وسعيد الحظ من كان والده او أخاه يمتلك نظارة "ريبان" فيستعيرها دون علم صاحبها "ليعرط" بها امام الفتيات فتغطي نصف وجهه و يتعثر برجليه حتى أثناء وقوفه.
أذكر أيضا أنني تعلمت التدخين على باب تلك المدرسة و ذلك لاثارة اعجاب احداهن و لكنها كانت صعبة المراس كمثيلاتها من الشقراوات طويلات القامة و لم تلتفت الى الجهة التي أقف بها, فما كان مني الا أن حفظت ماء وجهي و استمريت على عادة التدخين محاولا نسيان ما فعلته بي تلك الفرس الصهباء العنيدة.
كانت تلك أوقات الصيد, حيث يرمي الشاب بطعمه لتلتقطه احدى "الخسات" طامعا في أن توافق بعد عدة محاولات على ان تسمح له بالسير معها و "توصيلها" الى أقرب نقطة من منزلها دون ان يراه أخاها أو أباها. و قد تتطور العلاقة فيما بينهما ليجلس معها عدة دقائق على سور احدى العمارات التي تبعد عن منزلها مسافة أربع "حارات" أخرى على الأقل.
و لا يكاد يخلو اي صف ثانوي من "خسة" مميزة سلبت عقول جميع الشباب و باتوا يحلمون بالتحدث اليها او لفت انتباهها على الأقل و قد تخرج الأمور عن السيطرة لتصبح تلك الفتاة محور حديث جميع الشباب و سرد القصص المختلفة عنها من البعض عملا بمبدأ " اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول" الى ان يأتي أخوها "التوجيهي" ليبحث عن الشاب الذي شغل نفسه بنشر الاشاعات المغرضة عنها, عندها, ينكر الجميع معرفته لاسمها هربا من "البهدلة عالفاضي" و "قلة القيمة" الحتمية.
كم احن الى فترة "الخسات" من عمري, بل أعترف أنني استأذنت مبكرا في أحد الأيام و أنا في سنتي الجامعية الأولى كي لا أفوت "فكة مدرسة البنات" لأفاجأ بوجود بعض الشباب من الجامعة "يقزدرون" على باب المدرسة, و عند رؤيتهم لي تذرعت بأنني أسكن بالقرب من تلك المنطقة و حاولت دعوتهم الى الغذاء للتأكيد على ذلك.
في وقت كبرت فيه على "الخسات" لا أملك الا ان ارسل اليهن سلاما معطرا "بكالونيا فريسكال" ذات نكهة الياسمين و أتوقف قليلا لأشعل سيجارة أخرى دخنتها لأول مرة على باب احدى "الثانويات"




كوكو واوا

لم أستطع ان ادرك بالضبط مدى ارتباط "الفياعة" بتسريحة "الكوكو واوا" التي سادت أوساط الشباب "الشبيحة" في هذه الأيام. أو بعبارة أبسط تناسب بساطتي: هل تعبر هذه التسريحة فعلا عن "فياعة" مطلقة لهذا الشاب او ذاك؟
للعلم فقط للذين هم من أشكالي التقليدية و اللذين تعرفوا حديثا على هذه التسريحة و لم يكونوا قد عرفوها مسبقا فهي تسمى باسم آخر و هو تسريحة "سبانكي" و عند سؤالي لأحدهم عن الطريقة التي يتبعها في كل صباح لتسريح شعره بهذه الطريقة فقد اكتشفت بطريقة غير مباشرة, و من خلال حديثه و اشادته بهذه التسريحة و عظيم شكره و امتنانه "للكوافير" العظيم الذي ابتدعها, اكتشفت بأنه يحضر "طاسة" قد تكون بأسط الأشكال مصنوعة من النحاس أو الألمنيوم أو "الستانلس ستيل" المقاوم للصدا, ثم يضع فيها ما يعادل خمسون غراما من جل "أنيتا الأحمر" أو "بل الأبيض" و في أفضل الأحوال قد يضع "موس" أو مادة أخرى لم أحفظ اسمها و يقوم بعملية "غط" رأسه في تلك الطاسة لمدة لا تتجاوز خمس دقائق, ثم يقوم "بنكش" جميع شعرات رأسه و سحبها نحو الاعلى على شكل دبابيس أو ابر مشابهة تقريبا لحيوان القنفذ البري الذي يستخدمها للدفاع عن نفسه.
حاولت في ذلك اليوم تقليد تلك التسريحة و قمت بشراء طاسة ألمنيوم في طريق عودتي من العمل, و عند وصولي الى المنزل قمت بوضعها في المطبخ بدلا من الحمام, و عند السحور لم أجد ما أسلق به البيض غير تلك الطاسة الجديدة فقررت تخصيصها لأغراض سلق البيض فقط بدلا من تسريح شعري بطريقة "السبانكي".
لم تكن تلك محاولتي الأولى لدخول عالم الفياعة, ذلك أنني حاولت كثيرا دون جدوى, فقد قمت في احد الأيام بشراء "شورت و شباح" و أمضيت عدة ساعات في البحث عن الموديل و اللون المناسب, و استقريت أخيرا و بعد عناء طويل على اللون الأحمر كعادتي, و عند عودتي الى المنزل قمت بارتدائهما لاكتشف ان " الشورت" واسع و "الشباح" ضيق فعزوت المشكلة الى "تقسيمة جسمي" الرياضية و حجم عضلاتي اللذان لا يتناسبان مع هذا النوع من اللباس.
و في محاولة أخرى لاقتحام عالم الفياعة من أوسع أبوابه فقد قمت في أحد الأيام بالاتصال مع من أعرفهم من وجوه الخير و كبار الشخصيات و قمنا بتحضير "جاهة محرزة" توجهنا بها الى والدي حتى يسمح لي "بترباية سكسوكتي" و قد وافق "معزب الجاهة" اكراما للجاهة الكريمة بشرط ألا يزيد طول شعرات "السكسوكة" عن "نمرة واحد" على مقياس الحلاقين
و في مرة أخرى بعثت رسالة مرفقة بصورة شخصية الى زاوية "أريد حلا" في احدى المجلات المهتمة بآخر خطوط الأزياء و صيحات الموضة و بعد شهور قرأت في زاوية الردود أن "كسمي" لا يتناسب مع أي نوع من أنواع الموضة أو "الفياعة" و لكن مما طمأنني قليلا و بعث في نفسي الأمل أنهم لاحظوا أن "بنطلوني" ساحل بشكل دائم و عفوي و أن الحزام الذي أرتديه له خاصية "السحلان" للاسفل مهما حاولت التمسك به و شده للأعلى
حيرتني "الفياعة" و قررت أن "أفيع" بطريقتي الخاصة بدون أن أشتري أي ملابس جديدة ففتحت خزانة ملابسي لأنظر ما فيها من "الفياعة" لأجد أن لدي أربعة" بنطلونات كتان" ذات "قصة" واحدة و لكن بألوان مختلفة, و أربع قمصان "نص كم" ذات "موديل" مشترك تختلف فيما بينها باللون فقط مما دفعني الى نسيان مصطلح الفياعة الى الأبد و الاستمرار في قص شعري بطريقة " مكلفين الجيش" لتتناسب مع ملابسي ذات الموديل الواحد و الألوان المتعددة.




Thursday, September 6, 2007

ليلى و الذئب

على طريقتي الخاصة

الشخوص: أنا, رشود ابن اختي, الذئب, أم الذئب, جدة الذئب, ليلى
الحبكة: كنا قاعدين ذات ليلة و رشود المشاكس ابن اختي مش راضي يروح ينام, جننا و هو ينطنط من زاوية لزاوية عنده طاقة مش طبيعية الولد ما شاء الله عليه. انا كنت متبطح عالكنباي اللي قبال التلفزيون و تهورت بشكل غير متوقع و حكيتله تعال احكيلك قصة ولك. و هنا بدأت الحكاية
- صلي عالنبي خليني احكيلك القصة
- اللهم صلي
- وحد الله
- كيف؟
- قول هيك, لا اله الا الله
- لا اله الا الله
- كان يا مكان في قدم الزمان و سالف العصر و الأوان ذئب زغير, اجت امه يوم الجمعه صحته من النوم و حكتله روح يا ولد جيبلنا حمص و ارجع بسرعه اليوم عيد ميلاد جدتك بدي اياك تروح توديلها باقي الكيكة اللي جابلنا اياها ابوك من المخبز مبيرح
- تشيز كيك؟
- لأ يا خالو مش تشيز كيك, كيكة ع برقدان جابها ابو الذئب من المخبز و هو مروح من الشغل, زي اللي جبناها في عيد ميلادك
- المهم يا رشود يا حفيظ السلامة راح الذئب جاب حمص و افطروا الجماعه و حطتله امه الكيكة في شنتة المدرسة و حكتله دير بالك يما انت آخر العنقود عندي و بقدرش استغني عنك , اطلع في باص المؤسسة مش تطلع بتكسي بعدين تطلعلك ليلى و توكلك
- أوووف و بعدين معاكي يا حجة بدك تضلك تحكي دير بالك ع حالك و من هالسوالف؟ انا ذئب ازعر و قد حالي شو بتفكريني ذئب بوبو؟
- طيب يالله روح بس كتر حكي يوم من الايام بتعرف يما قلب الام زهرة لا تذبل, المهم الذئب حمل حاله و وجه عند دار جدته
- طلع الذئب عالشارع الرئيسي و أشر لأول تكسي شافه, بس التكسي ما وقف
- أشر الذئب لتاني تكسي بس ما وقف, التالت كمان ما وقف, العاشر وقف
- سلام عليكم, سير على بيت جراند ماذر مال انا؟
- لاااء ما اقدر ما اقدر بعيد انا والله ما في فطور
- يا زلمة اطلع بس بعطيك فلوس زيادة
- لا لا ما اقدر انا هوون جوة مدينة ممكن سير برة بعيد
- طيب اقلب وجهك الحق مش عليك, و نزل الذئب من التكسي و أشر لتكسي ثاني
- اشر للتكسي ال11 ما وقف, ال12 ما وقف ال13 ما وقف, ال28 وقف
- سلام عليكم, سير على بيت جراند ماذر مال انا؟
- سير بدون ادداد
- سير بدون ادداد خلصنا
- طلع الذئب في التكسي و حط الهاند باج تبعته و اخد راحته في الكرسي الخلفي
- ليش ما في تكسي وقف هسه؟
- ما في الحين درويل اكل نوم صلاة
- طيب سير سيدا لا تروح طريق قريبة روح طريق بعيده
- يس سير
- مشي التكسي في اول جسر و التاني و طلع ع شارع فرعي ووقف
- ليش انت وقفت؟
- تطلع الشوفير في المرايه و حكى للذئب انا ابغى آكل انت... انا ما في فطور
- شو توكلني ما توكلني؟ ولك انا ذئب و انت دريول هندي
- انا مو دريول هندي سير, انا ليلى ولك
- ليلى؟ تشرفنا, ليش عاملة بحالك هيك؟
- كانت الآنسة ليلى طالعه تدور على أكل لانها نامت ليله مبارح جوعانه و كانت خالصة من عندها الجبنة الصفرة و السنيورة و اضطرت توكل خبز حاف و شاي عالعشا
- و بعدين مع اخت هالسولافة؟ بدنا نوكل زفر يا جماعه زمان الواحد ما اعطاها منسف ولا مقلوبة و لا هش و نش... احسن اشي اتخفى ع شكل شوفير هندي و اطلع ادور على ذئاب و آكلهم
- تطلعت ليلى عالذئب بالمراي الوسطى و بعدين بالمراي اليمين و بعدين نظرة فوق الكتف الايسر و بعدين المراي الوسطى مرة تانية و حكتله عووووو
- بسم الله الرحمن الرحيم, جن و لا انس؟
- لأ ليلى
- ليلى؟؟؟ يما
- شو يما مش خايف؟
- لأ انا ذئب ما بخاف
- طيب هسه بنشوف
- و كشرت ليلى عن انيابها لتظهر ما خبأته براطمها من الشر و الرعب
- ماما.... واع واع واع... بدي ماما
- شايف انك طلعت خويثة و بتخاف كيف بس لو افرجيك طواحين العقل؟
- يما ليلى بدها توكلني يا لهوي يا خرابي يا مصيبتي .. تفو تفو تفو الشر برة و بعيد
- لا تخاف هسه ما بدي آكلك هسه بدي أخطفك و اطالب اهلك بفدية
- اهلى طفراينين ما معهم يدفعوا, ارجوكي يا ليلى نزليني انا مشحر مش شغل مخافر ابوي طول عمره ماشي الحيط الحيط و يا رب الستيرة والنبي حدعيلك في قيام الليل ابوس رجلك تنزليني مشان الله
- ما بنزلك لازم آخد فدية بدالك او آكلك فش عندي يما ارحميني, شو ليلى عالفاضي
- لا حول و لا قوة الا بالله, هسه جدتي بروح عيدميلادها و انا هوون. لو اكلتيني مين بده يوديلها الكيكة؟
- ها, الكيكة؟ انت ماخد كيكة لجدتك؟
- اه والله ابوي جايها مبيرح من المخبز و هو مروح من الشغل
- طيب لو رحنا هسه ع جدتك فكرك بتطعمينا من كيكتها؟
- اه اكيد
- لعاد بصيرش نروح و ايدنا فاضية, لازم نروح نشتريلها شغله من الستي سنتر
- لا خلص مسامحينك يختي بدناش هدية
- لا والله غير نجيبلها هدية شو بدك انت انا و جدتك بنتفاهم
- و راحت ليلى و الذئب الى الستي سنتر
- شو نوخدلها فكرك؟
- خديلها علبة عيدان تنكيش دنين بتحبهم لانها طول نهارها تنكش دنيها بتفكر التنكيش بقوي السمع
- طيب هو كذلك, وصلت ليلى و الذئب عند الكاش
- أوف نسيت الفلوس في السيارة, حامل انت فلوس؟
- لا والله مش حامل بس معاي بطاقة الفيزا
- طيب ادفع و انا بحاسبك بعدين
- اعطى الذئب البطاقة للفلبنيني اللي عالكاش و مشاها الفلبنيني عالماكينة و حكاله نت ووركنج سير
- شو نت ووركنج؟ ولك لسه جديده هه شووف
- نت ووركنج سير يو كان سبيك وذ ذا مانيجر اف يو وانت
- ابوك ع ابو المانيجر هات هات لاشوف اذا معي فراطة.... خود هه كيفت هسه؟
- طلعت الشبيبه من السيتي سنتر و توجهت على بيت جدة الذئب
- لازم نعمللها سوربرايز بارتي, و انت شو رأيك؟
- مش غلط يالله انتي البسي عروس و انا بلبس عريس و بنفوت عليها و بنفاجأها
- دقوا الباب
- مين
- انا ابن بنتك
- يالله يالله هيني جاي
- دقوا مرة تانية
- مين؟
- انا ابنت بنتك
- يالله يالله هيني جاي
- و دقوا مرة تالته و رابعه و خامسه و سادسه و جدة الذئب لسه جاي
- يالله هيني وصلت
- فتحت الجدة الباب؟
- اهلا هلا مين هاي؟
- هاي عروستي الجديدة؟
- تجوزت بدون ما تحكيلي ؟؟؟ و مين كمان؟ وحده ليلى؟
- ووقعت الجده عالارض من الزعل كيف ابن بنتها بتجوز بدون ما يعزمها عالعرس توكل كيك و تشرب سفن اب, و بتجوز وحده ليلى كمان؟ يا عيب الشوم
- جيبولي الاسعاف جيبولي الاسعاف بدي اموت انجلطت
- طلع الذئب الموبايل تبعه و اتصل بالاسعاف
- استنى ساعه ساعتين تلاته مش جاي الاسعاف, كل شوي الجده ترفع راسها و تسأل: وصل الاسعاف يحكولها لأ, ترجع تنجلط
- آخر اشي زهقت رفعت راسها و حكتلهم اسمعوا انا حاطة الطبيخ عالنار و هسه بنحرق بدي اقوم اشوفه عبين ما ييجي الاسعاف
- قامت الجده و راحت عالمطبخ و دخل وراها الذئب و ليلى؟
- حكتلها ليلى بدك موساعدة خالتو؟ حكتلها الجدة اه امسكي طنجرة المقلوبة و حطيها بالسدر خلينا نتغدى كلنا مع بعض هسه
- حطوا الاكل و قرروا يعملوا عيد ميلاد للجده بعد الغدا بس الهبيلة الذئب نسي يحط الكيكة في التلاجة اول ما يوصل فخربت الكيكة و صارت خبيصة
- يا جده احنا الصراحة كنا جايبينلك باقي الكيكة اللي جابلنا اياها ابوي من المخبز مبيرح بس للاسف خربت بنعتزر منك و اجابتك غلط
- مش مشكله يا ابني روح افتح التلاجة في باقي علبة حلاوة جابلي اياهم خالك السنه الماضية جيبهم و تعال نعمل العيد ميلاد عليهم
- جاب الذئب الحلاوة و جابت ليلى الشمع و ولعوا الشمع و صاروا يغنوا للجده
- بطارية بطارية قاللي عمي عد للمية عشرة عشرين تلتين اربعين خمسين ستين سبعين تمنين تسعين مية نطوا عليك الحرامية من شباك العلية بالسكين و المنشار اطلع برة يا حمار.......هيييييييييييييه
- في نهاية اليوم اجت ليلى للذئب و حكتله انا بحبك من زمان و بشوف فيك كل الصفات اللي ممكن بنت زيي تدور عليها في الشب, شو رأيك نتجوز بما انا لسه لابسين اواعي عرس؟
- و تجوز ليلى و الذئب و اعلنوا الزفاف و عملوه في النادي الاجتماعي الاردني و نقلت ليلى كفالتها على كفالة الذئب و عاشوا بسبات و نبات و خلفوا صبيان و نبات و توتو توتو خلصت الحدوته حلوة و لا ملتوتة
- رشود, رشود وينك يا رشود؟
- فات ينام جوة
- و انا لمين صارلي ساعتين بحكي القصة؟؟
- جوز اختي: انا صارلي ساعه سامعك بتخربط في الحكي فكرتك بتحلم والله
- فكرتني بحلم... حكيتلي... فعلا كنت احلم بس العبرة من الحلم انه هاي البلاد بتشقلب الدماغ و بتعمل العاطل كويس و الكويس عاطل و بتخلى ليلى تتجوز الذئب و بتخلي الذئب يحمل موبايل و فيزا كارد و بتخلي ليلى تسوق ع تكسي و بتخلي عيد الميلاد ينعمل ع صحن حلاوة جابه خالك لجدتك السنة الماضية
- و دمتم




-
-
-

Wednesday, August 22, 2007

أحلام صغيرة


كانت أحلامي صغيرة منذ البداية, بيت صغير و سور صغير و حديقة صغيرة, شجرتان صغيرتان تحملان ورودا صغيرة, امرأة بديعة الجمال, سوداء الشعر, تكسو وجنتيها حمرة صغيرة, تملك عقلي و روحي ووجداني, و ثتلج صدري بطفل صغير و طفلة صغيرة.

كنت قنوعا منذ البداية, كبرت و أنا أحلم كل ليلة بتلك الأحلام الصغيرة, استطردت بتفكيري بتفاصيله, فأنا أعشق التفاصيل الصغيرة, لا بد من سيارة صغيرة و مقاعد صغيرة و غرفة نوم صغيرة, إبريق شاي صغير و كؤوس صغيرة. لم أحلم يوما بما هو كبير, بل كان حلمي صغيرا منذ كنت صغيرا.
كبرت و لم تكبر أحلامي بل ظلت صغيرة, دونتها بدفتر صغير كي لا أنسي أي فكرة صغيرة, امتلأت صفحات دفتري بكلمات و حروف صغيرة, رسمت صورة صغيرة لبيتي الصغير بنوافذه الصغيرة, و صورة أخرى لامرأتي و طفلتي الصغيرة. وضعت دفتري تحت مخدتي, و رحت أفتحه في كل ليلة و أقلب صفحاته لأنظر كم حققت من تلك الأحلام الصغيرة, وجدت نفسي لم أحقق شيئا, فأحلامي ما زالت صغيرة و لكن أثمانها صارت كبيرة. اكتشفت أن لكل الأحلام ثمن لا بد أن يدفع حتى لو كانت صغيرة.
أنا لم أطلب الكثير, بيت صغير و سور صغير و حديقة صغيرة. أنا لم أختر الغربة بل هي التي اختارتني, أنا لم أطلب الفراق بل هو الذي طلبني. كنت عازما على البقاء, و لكن الرحيل دعاني فأجبته في اللحظة الأخيرة, أملا في تحقيق أحلامي الصغيرة.
هذه ليلتي الأخيرة, وضعت أشيائي في حقيبتي الكبيرة, ووضعت قلبي في علبة صغيرة. أجهشت بالبكاء على وسادتي شوقا لأمي و أبي, و اشتد بكائي حين تذكرت صاحبة الوجنتين. آه.. سأترك ورائي أشياء كثيرة, أب رؤوف و أم رؤوم و فتاة بديعة الجمال, ملكت عقلي و روحي ووجداني, تلك هي صاحبة الحمرة الصغيرة.
سأرحل مع دفتري الصغير بحثا عن أحلام صغيرة. لا تبك يا أمي, لا تبك يا أبي, لا تبك يا حبيبتي. فقد بكيتكم جميعا منذ شهور. منذ عرفت أني سأفارقكم جميعا أملا في تحقيق تلك الأحلام. سأحن الى رائحة قهوتك يا أبي عند الصباح, سأشتاق الي رؤية وجهك يا أمي في كل اللحظات فلا تشيحي بنظرك عني يأسا و حزنا. ستمتلأ مقلتاي بالدموع كلما نظرت اليكما في ليلتي الأخيرة, لا تشيحا بالنظر, فأنا أريد أن أشبع من رؤيتكما الآن قبل أن أهجر كل من أحببت طلبا في أحلام ظننتها صغيرة... عجبا, فأنا لما أطلب شيئا, بيت صغير و سور صغير و حديقة صغيرة

Sunday, June 3, 2007

بتطحن سكر

يروى في قصة الشاطر حسن أنه خرج مع أخويه للبحث عن أغرب ما في الوجود, ارضاء لوالدهم الملك و طمعا في عرشه من بعده, ثم افترق الاخوة, فذهب أحدهم من طريق النار و ذهب آخر من طريق الماء, أما الشاطر حسن فذهب من "الطريق اللي بتودي و ما بتجيب".
و يروى أيضا أنه التقى في طريقه بأحد الحكماء الذي أسدى له بعضا من النصائح, و أخبره عن أحد الأماكن الذي قد يجد فيه ضالته, و لكنه نبهه أن ذلك المكان تحرسه "غولة شرسة" تجلس على بابه ليل نهار لتمنع الغرباء من الدخول, و تلتهم أجسادهم حال رؤيتها لهم. فخاف الشاطر حسن من تلك "الغولة" و قرر البحث عن مكان آخر لعله يجد فيه ما يبحث عنه, و لكن الحكيم أخبره عن طريقة واحدة تمكنه من الدخول الى ذلك المكان الخطير, و هو أن يجلس في مكان قريب من "الغولة" و يقوم بمراقبتها لفترة من الوقت, فاذا كانت عيناها مغلقتين و رحاها "بتطحن سكر" فهي مستيقظة تبحث عن فريسة لالتهامها, أما اذا تغير حالها ففتحت عينيها و أصبحت رحاها "بتطحن ملح" فهي نائمة و باستطاعة الشاطر حسن الدخول لاحضار ما يريد.
قد تتضارب الآراء في أيامنا هذه عند تفسير مصطلح "بتطحن سكر" , فقد يفسره أحدهم بأنه مشابه لمصطلح " ساكت ع غش" و قد يراه آخر مشابه لمصطلح "واقف ع دقرة" أو "مستني نكشة". و حين يقول أحدهم للآخر بأن أبو فلان "بطحنله سكر" فذلك يعني أنه "ناويله ع نية" و لكنه ينتظر الوقت المناسب للانقضاض عليه و الفتك به كما تنتظر "غولة" الشاطر حسن طعامها المعتاد, و الذي يصلها بشكل مستمر, لأن "الغشيم" قد يظنها نائمة بعد رؤيته عينيها المغلقتين.
"كل البلد بتطحن سكر", تلك عبارة قلتها منذ أيام و أقصد بها أن جميع فئات الشعب "واقفة لبعض عالدقرة", فالموظف "بطحن سكر" للمدير و المدير يبادله "طحن السكر, و كلاهما "بطحن سكر" للمواطن. التاجر "بطحن سكر" للزبون و الزبون "بطحن سكر للتاجر", المدرس "بطحن سكر للطلاب" و الطلاب "بطحنوا سكر للمدرس", حتى الشوارع أصبحت مليئة بالسكر الناعم الذي ينتج من "طحن السكر" بين "الشوفرية". أما الأطفال فقد تعلموا "طحن السكر" من أفلام "توم و جيري" اللذان يعيشان "لطحن السكر".
شطحت في تفكيري مؤخرا في مسألة "طحن السكر" و أبعادها الاجتماعية و الاقتصادية, فتخيلت نفسي و قد اشتريت شوالا من "سكر الأسرة" و "خلاط مولينكس يعمل بالبطارية" و نزلت الى الطرقات لأبدأ في "طحن السكر" للجميع ابتداء بالتاجر الذي اشتريت منه السكر. بعد عدة "طحنات سكر" وجدت تلك المسألة صعبة للغاية و "مش جايبة همها" نظرا لارتفاع أسعار السكر التي وصلت الى نصف دينار للكيلو الواحد, و ارتفاع أسعار الأجهزة الكهربائة عموما, و "خلاط المولينكس" خصوصا, ذلك أنني رفضت شراء أي خلاط آخر صيني الصنع و أصررت على شراء الخلاط الأصلي المكفول لعدة سنوات.
تخيلت نفسي أيضا بعد عدة سنوات و قد أثقل كاهلي من ثمن السكر, و أثمان تصليح "خلاط المولينكس" الذي انتهت كفالته. و لكنني كنت مصرا على "طحن السكر" و بشكل مستمر احياء لذكرى تلك العادة المتأصلة عندي و التى قد ورثتها ممن سبقوني من "طحّينة السكر". حتى أنني أصبحت أشرب الشاي بدون سكر كي لا يضيع السكر هباء و لا أجد ما أطحنه لأحدهم في اليوم التالي.
تخيلت نفسي في نهاية كل يوم أرجع لمنزلي الذي لم أسدد أجرته منذ شهور, أجلس على شوال سكر مترحما على "طقم الموريس" الذي بعته بثمن قليل, أغسل "خلاط المولينكس" و أتركه لحظات قليلة لينشف, ثم أوصله بالكهرباء كي أشحن بطاريته, فبانتظاري يوم جديد لأطحن فيه السكر.

Saturday, May 26, 2007

الى الأبد

كان يسترق النظر إليها كلما سنحت له الفرصة, كتابه المفتوح لم يكن إلا غطاء يحجب به عينيه, و تظاهره بالقراءة كان خدعة اعتاد أن يستخدمها كي يطيل بقاءه في جوارها. كانت نظراته قصيرة و لكنها متتابعة كي لا يلفت انتباهها, و في بعض الأحيان كانت ترتفع ببصرها إليه, تبتسم له فيبتسم لها, ثم يعود كل منهما إلى تقليب صفحات كتابه بسرعة.كان قلبه يخفق بشدة كلما نظر إليها كأنما يراها لأول مرة, فيحاول إخفاء ذلك بتحسس رأسه, أو برشفة من فنجان قهوته الباردة, و بين الفينة و الأخرى كان يخلع نظارته ويمسحها بمنديل صغير لينفي كل شك قد يساورها في أمره أو ليظهر انسجامه فيما يقرأ, ثم يرجع للنظر مرة أخرى, يقلب صفحات الكتاب, يتحسس رأسه ثم يأخذ رشفة من القهوة.أما هي فقد كانت تعلم بأمره برغم محاولاته اليائسة لإخفاء ذلك, إلا أن نظراته لم تكن لتثير الدهشة في نفسها, فقد تعودت عليها منذ زمن بعيد, و لم تكن لتنكر مدى سعادتها بتصرفاته الغريبة, فهي تعرف أن اعجابه بها يعود إلى سنوات طويلة, ذلك الإعجاب الذي خطه بقلم حبه في كتاب ذاكرتها الذي امتلأ بأحداث كثيرة.رجع بذاكرته إلى شبابه القريب البعيد, امتلأ وجهه حيوية حينما تذكر رؤيته لها للمرة الأولى, ابتسم حين تذكر ابتسامتها البريئة فأغمض جفونه ليستذكر أول لقاء جمع بين عينيهما الشابتين, أخذ نفسا عميقا و هو يستذكر إحدى لحظات عمره الجميلة, تلك اللحظة التي تعطلت بها ساعة الزمن عن الدوران ليفاجأ أنه لم يعد يتمنى إلا شيئا واحدا, أن يضع اسمها وراء كل قصيدة حب, و أن يردد لحنه مع كل لحن جميل تطرب على أنغامه كل أبطال قصص الحب العظيمة, و تتراقص مع إيقاعه أكثر الورود حمرة, و تلتئم لعذوبته أكثر جروح الحب عمقا. حينها, قرر أن يستسلم لسحرها الذي لم يذكر بعد في كتب السحر القديم, و أن يستبدل قلبه العاشق بحجر خاتم ذهبي تضعه في أحد أصابعها إلى الأبد.عاد ليتحسس رأسه حين عبق أنفه بذكرى رائحة فستانها الأبيض في ليلة زفافهما, و ذرفت إحدى عينيه دمعة ساخنة سلكت طريقا طويلا فوق تجاعيد وجهه قبل أن تسقط لتذيب أحد حروف كتابه القديم. خلع نظارته مرة أخرى ثم تناول عكازه الخشبي ليساعده على الوقوف, اقترب منها ليطبع قبلة فوق جبينها الذي أرهقته السنوات, ثم مضى في سبيله.
mustangman2074@yahoo.com

Saturday, May 5, 2007

جبنة بيضاء



تعتبر جبنة الغنم البيضاء من أهم الأطباق على مائدة الفطور الأردنية, فلا تكاد تخلو أي "نملية مونة" أردنية من عدد لا بأس به من "قطرميزات" الجبنة البيضاء المغلية. بالاضافة الى اعتبارها كمرافق أساسي للبطيخ في فصل الصيف, حيث اعتادت معظم ربات البيوت على تقديم وجبة "البطيخ و الجبنة" في أيام الحر الشديدة كبديل عن وجبة الغذاء أو العشاء, ناهيك عن ارتبطها الوثيق "بالخيار" في الكثير من السندويشات المتداولة, و يعتمد عليها البعض باعتبارها "تصبيرة" بين الوجبات اليومية الثلاث.

يبدأ موسم الجبنة مع بداية فصل الربيع و ذلك لتوفر كميات هائلة من حليب الغنم و الماعز في هذه الفترة بالتحديد من كل عام, فتبدأ العائلات بالتوافد على المناطق المشهورة ببيع منتجات الحليب لشراء "مونة السنة" من الجبنة البيضاء التي قد تباع بطريقتين: مغلية أو بدون غلي.

تبدأ ربة المنزل بالتخطيط لرحلة البحث عن الجبنة مع بداية العام بسؤال جاراتها "من وين جبتوا جبنتكوا السنة؟", فترد احدى الجارات بانها اشترت "نصيّتين جبنة مغلية" من أحد المولات, و لكنها لا تنصح بشرائها و ذلك لأنها "بتفرط مع التحلاي", و تضيف بأن زوجها نصحها بعدم الشراء بحجة أن "جبنة المولات حليب بودرة" و لكنها لم تصغ له كالعادة مما دفعه الى "الحرد عنها" بقوله "والله ما بذوقها".

أما الجارة الثانية فتبدأ بسرد قصتها مع الجبنة لهذا العام, حيث أن زوجها " الله لا يتيرله" قام بشراء كمية كبيرة من الجبنة الغير مغلية" جبنة خضرا" لاقتناعه أن مهمة "غلي الجبنة" من اختصاص ربة المنزل. فما كان منها الا أن حردت و أضربت عن العمل بحجة أن "ظهرها بوجعها" ثم ذهبت لبيت أهلها لتجد أمها "بتغلي جبنة" فانطبقت عليها مقولة: " هربنا من الدلف و جينا تحت المزراب"

الجارة الثالثة امتنعت عن شراء الجبنة لهذا العام, و ذلك بسبب نصيحة طبيبها بأن تبتعد عن كل ما هو مالح لتجنب ارتفاع ضغطها, و تضيف بأن "جبنة هالأيام صرصور ملح", و "الجبنة الحلوة ما الها طعم", ثم تختم الحديث بقولها " ما جابلي الضغط غيره", و تقصد بذلك زوجها.

بعد الاستشارة و السؤال, تحدد ربة المنزل لجنة خاصة تسمى "لجنة الجبنة" برئاستها و عضوية زوجها و أحد أبنائها, ثم تحدد و بشكل مسبق يوم خاص لاحضار الجبنة, و يراعى في هذا اليوم أن يكون "جمعة" للاستفادة من عطلة الزوج أو الابن. و تصر أن تحضرها من "ملبنة خاصة" و ليس من أحد المولات لأن "جبنة المولات بودرة" و أن تكون مغلية لأن "ظهرها بوجعها" و أن تكون معتدلة الملوحة لأنه "بكفيها الضغط اللي جابلها اياه زوجها". تنتظر ربة المنزل شروق يوم الجبنة بفارغ الصبر, و تقوم بالتنبيه على زوجها في الليلة السابقة بترديد عبارة "بكرة جبنة" بشكل مستمر. و من باب الحيطة و الحذر, تقوم بالتنسيق مع الابن ليحل محل أبيه في مشوار الجبنة في حال امتناعه عن الذهاب, و هو ما يحدث غالبا.

تقوم الأم بايقاظ ابنها في صبيحة يوم الجبنة, و تعده بالرجوع قبل موعد الفطور. عند الوصول الى "الملبنة" تقوم بالتأكد من مطابقتها لمواصفات السلامة العامة و تفوقها في مجال النظافة, و تصر على الدخول الى المشغل لمشاهدة كيفية التحضير , و قد تطالب بحقها في التذوق للتأكد بأنها جبنة غنم " بياض" و ليس ماعز " سمار". ثم تذهب الى المحل المجاور. تمر الساعات و الأم ما زالت مترددة بشأن أي المحلات هو الأفضل للشراء, في نهاية الأمر تعود الى المحل الأول و تشتري "نصية جبنة واحدة" بهدف التجربة قبل شراء "مونة السنة" كاملة.

عند العودة الى المنزل, تقوم الأم بفتح "نصية الجبنة" ووضع القليل منها على مائدة الفطور لتجربتها, يبدأ الجميع بتذوق الجبنة و اعطاء الملاحظات بشأن طعمها و ملوحتها. بعد الفطور تجتمع "لجنة الجبنة" برئاسة الأم لمناقشة قضية الجبنة و سماع رأي الأعضاء في "النصية", لا يتم التوصل الى توصيات مشتركة بِشأن الجبنة, فتلجأ اللجنة الى التصويت. الأب معارض, الأم موافقة, الابن ممتنع عن التصويت, يتم ترجيح رأي الأم باعتبارها رئيس اللجنة و تحدد يوم الجمعة القادم لاستكمال شراء "مونة السنة" من الجبنة.



mustangman2074@yahoo.com

Wednesday, May 2, 2007

أهلا بالصيف

في الأول من أيار من كل عام, تجتمع لدى الفرد الاردني مناسبتين جميلتين, الأولى هي يوم العمال العالمي تكريما للعامل بصرف النظر عن مهنته, و الثانية بداية الصيف بصورة رسمية حسب تقويم الجيش العربي, ففي هذا اليوم يبدأ العسكريون بلباس الزي الصيفي بغض النظر عن الاحوال الجوية السائدة.
تبدأ الأسرة الأردنية صباح الاول من أيار, و الذي اعتاد الجميع أن يكون عطلة رسمية,بصعود رب الأسرة الى سطح المنزل ليفتح "محبس" السخان الشمسي ثم يتبع ذلك باغلاق "محبس" التدفئة المركزية أو كيزر الغاز أو "السبيد هيت" , أو باخراج " قزازة الغاز" و "سطل المي" من الحمام, و ذلك ايذانا ببدأ استخدام الطاقة الشمسية في تدفئة مياه الاستحمام. يتبع ذلك ايقاظ جميع الأولاد من أجل الاستحمام و التخلص من المياه المخزونة في " تنك المي" الذي لم يستخدم منذ قرابة السنة.
مع انتهاء أصغر الاولاد من الاستحمام و ارتداء الملابس الصيفية, تكاد الأخت الكبرى أن تنهي أعمال المطبخ و التي تشمل " جلي جلان الزيت" الفارغة و تعبئتها بالماء من أجل وضعها في الثلاجة لتبريدها. أما الأم فتكون قد أكملت تحضير الفطور ووضع "طاولة بلاستيك" أو "جمبيتين" في حوش المنزل من أجل تناول أول وجبة افطار صيفية.
بعد الفطور يتم توزيع المهام على جميع أفراد الأسرة, الأب يقوم بافراغ "صوبة الفوجيكا و جلان الكاز" ووضعهما في "السدة", الابن الأصغر يقوم بمهام الأب جميعها الا مهمة "وضع الصوبات في السدة" حيث تشتمل هذه المهمة على بعض الخطورة, لذلك تنحصر مهمته في هذه المرحلة بتثبيت "السيبة" تحت أقدام الأب خوفا من وقوعه.
الأم تقوم بتفريغ جميع خزائن الملابس, ثم تقوم بفصل الملابس الصيفية عن الملابس الشتوية, و ذلك لوضع "الشتوي" تحت السرير و "الصيفي" في الخزانة. أما مهمة طي الملابس فتكون من نصيب الأختين الكبرى و الوسطى. في هذه الأثناء, تقوم الأخت الصغرى باحضار "كيسين بلاستيك" لوضع الملابس المراد التخلص منها داخلهما و التصدق بهما على احدى العائلات الفقيرة.
الأخ الأكبر يقوم بجولة مع أصدقائه في سيارة الوالد, و ذلك بعد أن أعطاه عشرة دنانير لتعبئة غاز "الكوندشن" و التأكد من فعاليته التامة قبل خروج الأسرة الى "المشوار"
بعد عودة الابن الأكبر الى المنزل, يبدأ الجميع بارتداء الملابس الصيفية, يقوم الأب بنزع "البلبطوز", و هو بنطلون قطني ضيق يلبسه كبار السن في الشتاء تحت البنطلون أو الدشداش, و يقوم الابن الأكبر بنزع "جرابات البشكير" و استبدالها "بجرابات خفيفة", أما الأخ الأصغر فيحاول أن يلبس"طاقية و شورت و شباح" و لكنه يفاجأ "بكف ع رقبته " من الأم لعدم موافقتها على ملابسه بحجة أن الدنيا " لسه فيها نسمة".
يجلس الجميع في السيارة , و يقوم الأب باشعال المكيف و ترديد عبارة"جاييكوا هوا" بشكل مستمر, الابن الأصغر يفاجأ " بكف ع رقبته" من الأب و ذلك لمحاولته الخروج من فتحة السقف, أما الأكبر فيقوم بفتح نافذته سراً و ذلك لعلمه المسبق أن "الكندشن" لا يحتوي على غاز.
تتوجه العائلة الى احدى المتنزهات الطبيعية داخل العاصمة أو خارجها, يقوم الاب باشعال النار و شوي "اللحمات" بشكل سريع, تقوم الأخت الكبرى بتجهيز الجمبيات للجلوس, و يبدأ الجميع بالأكل, مع انتهاء "آخر لقمة" يشير الأب بعبارة"حضروا حالكوا", ترد الأم بعبارة "بدري, ما تريحناش من الأكل" و لكن يقوم الجميع لاصرار الأب على فكرة خروج جميع "الهمل" في هذا اليوم و عدم قدرته الجلوس في الأمكنة المكتظة بالشباب مع بناته
عند الوصول الى المنزل, يسرع الاخ الأصغر "لأخذ دش من ريحة الشوي", يقوم الأب "بالتطبيل المستمر" على باب الحمام لتذكيره بأن" غيره بده يتحمم", يخرج الأخ الأصغر من الحمام و يدخل الأب, يخرج الأب و يفاجأ الأخ الأصغر "بكف ع رقبته" و ذلك لانه "خلّص المي", يتوجه الأب الى السطح لاغلاق "محبس" السخان الشمسي و فتح"محبس" الكيزر, أو فك "قزازة الغاز" عن الغاز و تركيبها على الكيزر, ثم يعود ليستكمل حمامه

يجلس الجميع أما التلفاز, يفاجأ الأخ الأصغر "بكف ع رقبته" و ذلك لجلوسه بقرب الشاشة. بعد انتهاء "فيلم السهرة" , تبدأ الأم بترديد عبارة" يالله, بكرة مدارس" حتى يذهب الجميع للنوم باستثناء الأخ الأصغر( الذي لم يصل الى عمر المدارس), و الأب الذي يطلب من زوجته احضار "حبتين ريفانين" و كاسة مي من الحنفية لانه يشعر "بدوخه" و عليه"شوية حرارة" قد يكون سببها استحمامه بماء بارد, ثم يفاجأ الأخ الأصغر "بكف ع رقبته" دون سبب.



mustangman2074@yahoo.com

Monday, April 23, 2007

بروتوكولات آل رشح

في هذه اللحظة كم أتمنى لو أنني لست مدخنا
صحيت الصبح حلقي ناشف و ماكل هوا ف عرفت اني راح ارشح رشحة ماكنةجمعت العيال الزغار عشان استجوبهم واحد واحد و على انفراد بدي اعرف مين اللي عداني .اكتشفت انهم كلهم مرشحين
البروتوكول تبع الرشح يمر بعدة مراح
لمرحلة الآدينتيفيكيشن: اني بحكي للحجة اول ما اصحى: شكلي راح ارشح رشحة مش من هوون
الحجة: مش عندك تأمين ؟؟ روح عالدكتور
ان شالله, في هذه المرحلة بقطع التدخين نهائي
مرحلة عشان تتعلم: و تتمثل انه كل واحد بشوفني بحكيلي عشان تتعلم تلبس نص كم و الدنيا لسه برد
مرحلة روح عالدكتور:طبعا الحجة عارفة اني مش راح اروح عالدكتور عشان هيك بتتصل فيي الساعة 12 الظهر تسألني اذا رحت أو لأ بحكيلها كمان شوي هسه مشغول, بترجع تتصل كمان شوي لحد ما ارجع للبيت و بحكيلها كمان شوي مشغول برجع عالبيت مش رايح عالدكتور, بحط راسي و بنام
مرحلة الحمضيات: بصحى ع صوت عصارة البردقان و الليمون, بتكون الحجة موصية الحج يجيب بكب ليمون و هو راجع, بشرب بردقان و باخد حبتين اسبرين و برجع انام, بعرفش انام من البرد و بروح بولع الصوبة و بتمدد جمبها ببلش الحج و الحجة يحكوولي عن اهمية انه الواحد يروح عالدكتور بس يكون مريض
مرحلة الفاين: في هاي المرحلة بجيب باكيتين فاين و كيس بلاستيك بحطهم جمبي و باخدهم معي وين ما اروح بالاضافة الى قطرة الديكوزال او الفايبروسيل
مرحلة نشر الغسيل: تاني يوم برضو بروحش عالدكتور, الحجة بتحكي لاختي الكبيرة اني مريض و مش راضي اروح عالدكتور, اختي الكبيرة بتحكي لاختي الزغيرة, اختي الزغيرة بتحكي لجوزها, جوزها بحكي لأمه و كل الحارة بتعرف اني مريض و مش راضي اروح عالدكتور
مرحلة التداوي ع كيفي: بعد يومين بتنزل الرشحه ع صدري و بصير اكح و هوون اكلة الهوا, بمر عالصيدلية بشتري دوا ع حسابي عشان ما اروح عالدكتور
مرحلة السطلان: بصحي بالليل و بروح عالثلاجة و بصير انكش في الادوية, باخد من كل نوع حبة و من كل قنينة بشرب معلقة, تاني يوم بصحى من النوم بس بحس حالي زي اللي ماشي ع قطن من كتر تخبيص الادوية و الهذيان. مثال: اليوم الصبح رحت عالشغل بدي افتح باب المكتب , وقفت ع الباب و صرت اكبس ع كبسة جهاز الانذار تبع السيارة, بفكر باب المكتب كمان عالريموت
مرحلة خدوني عالدكتور: في هذه المرحلة بروح عالدكتور بس اكيد مش بخاطريوحده من تنتين, بسخن في الليل و بحكيلهم يوخدوني عالطوارئ يعطوني ابرة في العضل....أو صحابي في الشغل بشفقوا علي بوخدوني عالعيادة بعد ما افقد النطق من التعب و برضو باخد ابرة في العضل و بروح عالبيت و باخد يومين اجازة بقضيهم في النوم المتواصل
مرحلة فقدان الصوت:كونه شغلي يعتمد بشكل اساسي ع الصوت( مش مطرب) ف بضطر اجيب سكر فضي اضل اقرط عشان امشي هالساعتين
مرحلة الحمو: بعد الانتهاء من جميع المراحل و قبل التماثل الكامل للشفاء, بطلعلي حمو حلوان انتهاء الرشحة و بصير شكلي زي اللي عامل هوشة
مرحلة الرجوع الى التدخين: بصير ارجع للدخان شوي شوي و بالسر خوف لتعرف الحجة اني بدخن و انا مرشح
مرحلة الحمد لله ع سلامتي: لما ينعدي واحد من و تنتقل الرشحة الى شخص آخر و أخلص منها باذن الله

Saturday, February 3, 2007

مرارة الحقيقة



في معظم الأحيان,قد يغفل المرء عن الحقيقة, قد لا يراها و هي أمامه كالشمس في وسط السماء, قد لا يسمعها و صوتها كدوى الرعد في الليالي الماطرة, قد لا يذهب وراءها وهي تحاول اقتياده كالحصان الأشوس الذي لم يسرج بعد, قد لا يشمها برغم رائحة الخداع التي تنبعث حوله, قد لا يحس بها و هي تتقافز أمامه كموجة بحر عاتية في يوم اشتد به المد و الجزر
لماذا؟؟.. لماذا يتكبد الإنسان ذلك العناء العظيم محاولا أن يخفي الحقيقة؟ لماذا يبذل واسع حيلته و سعة جهده محاولا تزييفها و تبديلها؟ أهي فطرة قد فطر عليها؟ أم هي عادة قد جرت في عروقه؟ أم انه يكره مذاقها الكريه و طعمها المر؟ فيلجأ إلى تغليفها بغلاف من سكر الكذب و عذوبة الخداع ليستطيع ابتلاعها كما يبتلع حبة الدواء طلباً للشفاء.
حقاً.. ما أجمل الكذب!! ذلك العالم الوهمي الذي قد تصنع به ما تريد, حين تبنى البيوت بغير أعمدة, و حين تنسب الأقوال لغير أصحابها, حين ترتكب الجرائم بغير عقوبة, و حين يصبح العدو صديقاً و الصديق عدواً, حين تقلب الموازين لتمسح به الحقيقة بمنديل من الخداع ثم تلقى في ظلمات بحر الكذب العميق.
و لكن في نهاية المطاف, لا بد أن تسطع الحقيقة, لا بد أن تطفو كما يطفو الزبد على سطح البحر, لا بد أن تتحرر من جميع قيودها لتظهر واضحة كي يراها الجميع, لا بد أن تتوسط السماء كهلال صوم ثبتت رؤيته, لا بد أن يأتي ذلك اليوم, حين ينتهي عصر الكذب و تبدأ حقبة الحقيقة.
في ذلك اليوم, يوم ظهور الحقيقة, يشعر المرء أنه قد خدع, يستشعر خيانة أعز الناس الى قلبه, يشعر بفقدان الثقة في الجميع, و يشعر بالاحباط و اليأس و الكلل. يشعر بالغباء لأنه لم يفكر مليا, يشعر بالحزن على تلك الوعود الزائفة و يشعر بالندم على جميع اللحظات الجميلة
في ذلك اليوم, يوم سقوط الأقنعة, قد تختلط المشاعر, و تسيل العبرات, و تحبس الكلمات, و تكبت الصيحات, و تدفن الآهات.....فقد تذوق أحدهم لتوه مرارة الحقيقة

Tuesday, January 23, 2007

رقعة الشطرنج

برعت في لعبة الشطرنج منذ الصغر عقب أن أحضر لي والدي تلك العلبة الفاخرة حين كنت في التاسعة من عمري, كان عليها شعار احدى شركات الطيران العالمية و لها غطاء جلدي أسود اللون توضع بداخله بعد الانتهاء من اللعب.
أما احجارها فلم تكن تختلف عن أحجار أي لعبة شطرنج أخرى, سوى أنها تحتوي على مغناطيس صغير في أسفلها لتحفظ توازنها و تمنع الغش أثناء اللعب, أو كما قال والدي حين سألته عن أهميته: " لتمنع الجنود من الهروب".
تحتوي لعبة الشطرنج على رقعة مربعة الشكل مقسمة الى مربعات صغيرة باللونين الأسود و الأبيض, و تحتوي أيضا على فريقين من الأحجار السوداء و البيضاء, و يبدو أن اختيار اللونين الأسود و الأبيض لم يكن بمحض صدفة, ففي اعتقادي أن في ذلك اشارة واضحة الى الصراع الأزلي و النزاع المستمر بين الخير بثوبه الأبيض و الشر بلباسه الأسود.
في لعبة الشطرنج هناك جيش من الجنود يقف في الصف الأمامي لكل فريق ليحمي من خلفه من القلاع و الفرسان و ليشكل الخط الدفاعي الأول لكل فريق في مواجهة عدوّه و مما يميز الجنود أنها لا تستطيع الرجوع الى الخلف, فهي تتحرك الى الأمام فقط لتفسج المجال أما القلاع و الفرسان للفتك بعدوّهم و تحقيق النصر.
في بداية اللعبة, يبدأ أحد الجنود اليبض بالحركة خطوتين الى الأمام معلنا بداية المعركة, ثم يليه أحد الجنود السود بحركة واحدة الى الأمام, ثم يبدأ الصراع و يختلط الحابل بالنابل و يبدأ الجنود بالسقوط ثم يتبعهم الفرسان و القلاع و الوزراء, حتى لا يبقى الا الملك الذي تنتهي اللعبة بموته, و أعظم نصر قد يتحقق في هذه اللعبة حين يموت الملك بيد ملك آخر.
ازداد اعجابي و تعلقي بلعبة الشطرنج مع تقدمي بالسن و دخولي مرحلة الشباب, حتى لعبتها مع الجميع من أصدقائي و معارفي, و كان الفوز حليفي في معظم الاحيان, و لم أكتف بذلك و حسب, بل رحت أبحث عن أشخاص جدد لألعب معهم هذه اللعبة الجميلة.
في تلك المرحلة, ظننت أن الحياة بأكملها تسير وفقا لقوانين لعبة الشطرنج و قواعدها البسيطة, و رحت أطبق تلك القوانين في حياتي الخاصة و حياة الآخرين اقتناعا مني أن الحياة قد تتشابه مع الشطرنج في مثاليتها و قيمها العليا, و لكنني تفاجأت مؤخرا بالواقع الأليم و الحقائق المريرة, فأمنع القلاع و أحصنها قد تسقط كما سقطت بغداد العرب, أما الجنود فقد يهربون من أرض المعركة و يلقون ببزاتهم العسكرية في الأنهار, أما الفرسان فقد لا تحمل الا ألقابها فقط, أما الملوك فليس شرطا أن تموت علي يد الملوك, فزمرة من الجبناء تكفي لاعدام أعظم القوّاد.
في ذلك اليوم, تناولت لعبة الشطرنج خاصتي بغطائها الجلدي الرائع, تفحصتها جيدا و أحصيت أحجارها لأتأكد من اكتمالها ثم وضعت الأحجار على الرقعة كل في مكانه الخاص لألعب مع ذاتي آخر لعبة شطرنج. لم أكن أبحث عن الفوز بقدر اهتمامي بتطبيق قوانين اللعبة بحذافيرها. فور انتهائي من اللعبة التي لم يفز بها أحد أرجعتها في غطائها ثم أعطيتها الى أحد الأطفال قائلا له: " استمتع بأحلامك قبل أن تدرك الحقيقة".