Saturday, February 3, 2007

مرارة الحقيقة



في معظم الأحيان,قد يغفل المرء عن الحقيقة, قد لا يراها و هي أمامه كالشمس في وسط السماء, قد لا يسمعها و صوتها كدوى الرعد في الليالي الماطرة, قد لا يذهب وراءها وهي تحاول اقتياده كالحصان الأشوس الذي لم يسرج بعد, قد لا يشمها برغم رائحة الخداع التي تنبعث حوله, قد لا يحس بها و هي تتقافز أمامه كموجة بحر عاتية في يوم اشتد به المد و الجزر
لماذا؟؟.. لماذا يتكبد الإنسان ذلك العناء العظيم محاولا أن يخفي الحقيقة؟ لماذا يبذل واسع حيلته و سعة جهده محاولا تزييفها و تبديلها؟ أهي فطرة قد فطر عليها؟ أم هي عادة قد جرت في عروقه؟ أم انه يكره مذاقها الكريه و طعمها المر؟ فيلجأ إلى تغليفها بغلاف من سكر الكذب و عذوبة الخداع ليستطيع ابتلاعها كما يبتلع حبة الدواء طلباً للشفاء.
حقاً.. ما أجمل الكذب!! ذلك العالم الوهمي الذي قد تصنع به ما تريد, حين تبنى البيوت بغير أعمدة, و حين تنسب الأقوال لغير أصحابها, حين ترتكب الجرائم بغير عقوبة, و حين يصبح العدو صديقاً و الصديق عدواً, حين تقلب الموازين لتمسح به الحقيقة بمنديل من الخداع ثم تلقى في ظلمات بحر الكذب العميق.
و لكن في نهاية المطاف, لا بد أن تسطع الحقيقة, لا بد أن تطفو كما يطفو الزبد على سطح البحر, لا بد أن تتحرر من جميع قيودها لتظهر واضحة كي يراها الجميع, لا بد أن تتوسط السماء كهلال صوم ثبتت رؤيته, لا بد أن يأتي ذلك اليوم, حين ينتهي عصر الكذب و تبدأ حقبة الحقيقة.
في ذلك اليوم, يوم ظهور الحقيقة, يشعر المرء أنه قد خدع, يستشعر خيانة أعز الناس الى قلبه, يشعر بفقدان الثقة في الجميع, و يشعر بالاحباط و اليأس و الكلل. يشعر بالغباء لأنه لم يفكر مليا, يشعر بالحزن على تلك الوعود الزائفة و يشعر بالندم على جميع اللحظات الجميلة
في ذلك اليوم, يوم سقوط الأقنعة, قد تختلط المشاعر, و تسيل العبرات, و تحبس الكلمات, و تكبت الصيحات, و تدفن الآهات.....فقد تذوق أحدهم لتوه مرارة الحقيقة