Wednesday, August 22, 2007

أحلام صغيرة


كانت أحلامي صغيرة منذ البداية, بيت صغير و سور صغير و حديقة صغيرة, شجرتان صغيرتان تحملان ورودا صغيرة, امرأة بديعة الجمال, سوداء الشعر, تكسو وجنتيها حمرة صغيرة, تملك عقلي و روحي ووجداني, و ثتلج صدري بطفل صغير و طفلة صغيرة.

كنت قنوعا منذ البداية, كبرت و أنا أحلم كل ليلة بتلك الأحلام الصغيرة, استطردت بتفكيري بتفاصيله, فأنا أعشق التفاصيل الصغيرة, لا بد من سيارة صغيرة و مقاعد صغيرة و غرفة نوم صغيرة, إبريق شاي صغير و كؤوس صغيرة. لم أحلم يوما بما هو كبير, بل كان حلمي صغيرا منذ كنت صغيرا.
كبرت و لم تكبر أحلامي بل ظلت صغيرة, دونتها بدفتر صغير كي لا أنسي أي فكرة صغيرة, امتلأت صفحات دفتري بكلمات و حروف صغيرة, رسمت صورة صغيرة لبيتي الصغير بنوافذه الصغيرة, و صورة أخرى لامرأتي و طفلتي الصغيرة. وضعت دفتري تحت مخدتي, و رحت أفتحه في كل ليلة و أقلب صفحاته لأنظر كم حققت من تلك الأحلام الصغيرة, وجدت نفسي لم أحقق شيئا, فأحلامي ما زالت صغيرة و لكن أثمانها صارت كبيرة. اكتشفت أن لكل الأحلام ثمن لا بد أن يدفع حتى لو كانت صغيرة.
أنا لم أطلب الكثير, بيت صغير و سور صغير و حديقة صغيرة. أنا لم أختر الغربة بل هي التي اختارتني, أنا لم أطلب الفراق بل هو الذي طلبني. كنت عازما على البقاء, و لكن الرحيل دعاني فأجبته في اللحظة الأخيرة, أملا في تحقيق أحلامي الصغيرة.
هذه ليلتي الأخيرة, وضعت أشيائي في حقيبتي الكبيرة, ووضعت قلبي في علبة صغيرة. أجهشت بالبكاء على وسادتي شوقا لأمي و أبي, و اشتد بكائي حين تذكرت صاحبة الوجنتين. آه.. سأترك ورائي أشياء كثيرة, أب رؤوف و أم رؤوم و فتاة بديعة الجمال, ملكت عقلي و روحي ووجداني, تلك هي صاحبة الحمرة الصغيرة.
سأرحل مع دفتري الصغير بحثا عن أحلام صغيرة. لا تبك يا أمي, لا تبك يا أبي, لا تبك يا حبيبتي. فقد بكيتكم جميعا منذ شهور. منذ عرفت أني سأفارقكم جميعا أملا في تحقيق تلك الأحلام. سأحن الى رائحة قهوتك يا أبي عند الصباح, سأشتاق الي رؤية وجهك يا أمي في كل اللحظات فلا تشيحي بنظرك عني يأسا و حزنا. ستمتلأ مقلتاي بالدموع كلما نظرت اليكما في ليلتي الأخيرة, لا تشيحا بالنظر, فأنا أريد أن أشبع من رؤيتكما الآن قبل أن أهجر كل من أحببت طلبا في أحلام ظننتها صغيرة... عجبا, فأنا لما أطلب شيئا, بيت صغير و سور صغير و حديقة صغيرة