Saturday, May 26, 2007

الى الأبد

كان يسترق النظر إليها كلما سنحت له الفرصة, كتابه المفتوح لم يكن إلا غطاء يحجب به عينيه, و تظاهره بالقراءة كان خدعة اعتاد أن يستخدمها كي يطيل بقاءه في جوارها. كانت نظراته قصيرة و لكنها متتابعة كي لا يلفت انتباهها, و في بعض الأحيان كانت ترتفع ببصرها إليه, تبتسم له فيبتسم لها, ثم يعود كل منهما إلى تقليب صفحات كتابه بسرعة.كان قلبه يخفق بشدة كلما نظر إليها كأنما يراها لأول مرة, فيحاول إخفاء ذلك بتحسس رأسه, أو برشفة من فنجان قهوته الباردة, و بين الفينة و الأخرى كان يخلع نظارته ويمسحها بمنديل صغير لينفي كل شك قد يساورها في أمره أو ليظهر انسجامه فيما يقرأ, ثم يرجع للنظر مرة أخرى, يقلب صفحات الكتاب, يتحسس رأسه ثم يأخذ رشفة من القهوة.أما هي فقد كانت تعلم بأمره برغم محاولاته اليائسة لإخفاء ذلك, إلا أن نظراته لم تكن لتثير الدهشة في نفسها, فقد تعودت عليها منذ زمن بعيد, و لم تكن لتنكر مدى سعادتها بتصرفاته الغريبة, فهي تعرف أن اعجابه بها يعود إلى سنوات طويلة, ذلك الإعجاب الذي خطه بقلم حبه في كتاب ذاكرتها الذي امتلأ بأحداث كثيرة.رجع بذاكرته إلى شبابه القريب البعيد, امتلأ وجهه حيوية حينما تذكر رؤيته لها للمرة الأولى, ابتسم حين تذكر ابتسامتها البريئة فأغمض جفونه ليستذكر أول لقاء جمع بين عينيهما الشابتين, أخذ نفسا عميقا و هو يستذكر إحدى لحظات عمره الجميلة, تلك اللحظة التي تعطلت بها ساعة الزمن عن الدوران ليفاجأ أنه لم يعد يتمنى إلا شيئا واحدا, أن يضع اسمها وراء كل قصيدة حب, و أن يردد لحنه مع كل لحن جميل تطرب على أنغامه كل أبطال قصص الحب العظيمة, و تتراقص مع إيقاعه أكثر الورود حمرة, و تلتئم لعذوبته أكثر جروح الحب عمقا. حينها, قرر أن يستسلم لسحرها الذي لم يذكر بعد في كتب السحر القديم, و أن يستبدل قلبه العاشق بحجر خاتم ذهبي تضعه في أحد أصابعها إلى الأبد.عاد ليتحسس رأسه حين عبق أنفه بذكرى رائحة فستانها الأبيض في ليلة زفافهما, و ذرفت إحدى عينيه دمعة ساخنة سلكت طريقا طويلا فوق تجاعيد وجهه قبل أن تسقط لتذيب أحد حروف كتابه القديم. خلع نظارته مرة أخرى ثم تناول عكازه الخشبي ليساعده على الوقوف, اقترب منها ليطبع قبلة فوق جبينها الذي أرهقته السنوات, ثم مضى في سبيله.
mustangman2074@yahoo.com

Saturday, May 5, 2007

جبنة بيضاء



تعتبر جبنة الغنم البيضاء من أهم الأطباق على مائدة الفطور الأردنية, فلا تكاد تخلو أي "نملية مونة" أردنية من عدد لا بأس به من "قطرميزات" الجبنة البيضاء المغلية. بالاضافة الى اعتبارها كمرافق أساسي للبطيخ في فصل الصيف, حيث اعتادت معظم ربات البيوت على تقديم وجبة "البطيخ و الجبنة" في أيام الحر الشديدة كبديل عن وجبة الغذاء أو العشاء, ناهيك عن ارتبطها الوثيق "بالخيار" في الكثير من السندويشات المتداولة, و يعتمد عليها البعض باعتبارها "تصبيرة" بين الوجبات اليومية الثلاث.

يبدأ موسم الجبنة مع بداية فصل الربيع و ذلك لتوفر كميات هائلة من حليب الغنم و الماعز في هذه الفترة بالتحديد من كل عام, فتبدأ العائلات بالتوافد على المناطق المشهورة ببيع منتجات الحليب لشراء "مونة السنة" من الجبنة البيضاء التي قد تباع بطريقتين: مغلية أو بدون غلي.

تبدأ ربة المنزل بالتخطيط لرحلة البحث عن الجبنة مع بداية العام بسؤال جاراتها "من وين جبتوا جبنتكوا السنة؟", فترد احدى الجارات بانها اشترت "نصيّتين جبنة مغلية" من أحد المولات, و لكنها لا تنصح بشرائها و ذلك لأنها "بتفرط مع التحلاي", و تضيف بأن زوجها نصحها بعدم الشراء بحجة أن "جبنة المولات حليب بودرة" و لكنها لم تصغ له كالعادة مما دفعه الى "الحرد عنها" بقوله "والله ما بذوقها".

أما الجارة الثانية فتبدأ بسرد قصتها مع الجبنة لهذا العام, حيث أن زوجها " الله لا يتيرله" قام بشراء كمية كبيرة من الجبنة الغير مغلية" جبنة خضرا" لاقتناعه أن مهمة "غلي الجبنة" من اختصاص ربة المنزل. فما كان منها الا أن حردت و أضربت عن العمل بحجة أن "ظهرها بوجعها" ثم ذهبت لبيت أهلها لتجد أمها "بتغلي جبنة" فانطبقت عليها مقولة: " هربنا من الدلف و جينا تحت المزراب"

الجارة الثالثة امتنعت عن شراء الجبنة لهذا العام, و ذلك بسبب نصيحة طبيبها بأن تبتعد عن كل ما هو مالح لتجنب ارتفاع ضغطها, و تضيف بأن "جبنة هالأيام صرصور ملح", و "الجبنة الحلوة ما الها طعم", ثم تختم الحديث بقولها " ما جابلي الضغط غيره", و تقصد بذلك زوجها.

بعد الاستشارة و السؤال, تحدد ربة المنزل لجنة خاصة تسمى "لجنة الجبنة" برئاستها و عضوية زوجها و أحد أبنائها, ثم تحدد و بشكل مسبق يوم خاص لاحضار الجبنة, و يراعى في هذا اليوم أن يكون "جمعة" للاستفادة من عطلة الزوج أو الابن. و تصر أن تحضرها من "ملبنة خاصة" و ليس من أحد المولات لأن "جبنة المولات بودرة" و أن تكون مغلية لأن "ظهرها بوجعها" و أن تكون معتدلة الملوحة لأنه "بكفيها الضغط اللي جابلها اياه زوجها". تنتظر ربة المنزل شروق يوم الجبنة بفارغ الصبر, و تقوم بالتنبيه على زوجها في الليلة السابقة بترديد عبارة "بكرة جبنة" بشكل مستمر. و من باب الحيطة و الحذر, تقوم بالتنسيق مع الابن ليحل محل أبيه في مشوار الجبنة في حال امتناعه عن الذهاب, و هو ما يحدث غالبا.

تقوم الأم بايقاظ ابنها في صبيحة يوم الجبنة, و تعده بالرجوع قبل موعد الفطور. عند الوصول الى "الملبنة" تقوم بالتأكد من مطابقتها لمواصفات السلامة العامة و تفوقها في مجال النظافة, و تصر على الدخول الى المشغل لمشاهدة كيفية التحضير , و قد تطالب بحقها في التذوق للتأكد بأنها جبنة غنم " بياض" و ليس ماعز " سمار". ثم تذهب الى المحل المجاور. تمر الساعات و الأم ما زالت مترددة بشأن أي المحلات هو الأفضل للشراء, في نهاية الأمر تعود الى المحل الأول و تشتري "نصية جبنة واحدة" بهدف التجربة قبل شراء "مونة السنة" كاملة.

عند العودة الى المنزل, تقوم الأم بفتح "نصية الجبنة" ووضع القليل منها على مائدة الفطور لتجربتها, يبدأ الجميع بتذوق الجبنة و اعطاء الملاحظات بشأن طعمها و ملوحتها. بعد الفطور تجتمع "لجنة الجبنة" برئاسة الأم لمناقشة قضية الجبنة و سماع رأي الأعضاء في "النصية", لا يتم التوصل الى توصيات مشتركة بِشأن الجبنة, فتلجأ اللجنة الى التصويت. الأب معارض, الأم موافقة, الابن ممتنع عن التصويت, يتم ترجيح رأي الأم باعتبارها رئيس اللجنة و تحدد يوم الجمعة القادم لاستكمال شراء "مونة السنة" من الجبنة.



mustangman2074@yahoo.com

Wednesday, May 2, 2007

أهلا بالصيف

في الأول من أيار من كل عام, تجتمع لدى الفرد الاردني مناسبتين جميلتين, الأولى هي يوم العمال العالمي تكريما للعامل بصرف النظر عن مهنته, و الثانية بداية الصيف بصورة رسمية حسب تقويم الجيش العربي, ففي هذا اليوم يبدأ العسكريون بلباس الزي الصيفي بغض النظر عن الاحوال الجوية السائدة.
تبدأ الأسرة الأردنية صباح الاول من أيار, و الذي اعتاد الجميع أن يكون عطلة رسمية,بصعود رب الأسرة الى سطح المنزل ليفتح "محبس" السخان الشمسي ثم يتبع ذلك باغلاق "محبس" التدفئة المركزية أو كيزر الغاز أو "السبيد هيت" , أو باخراج " قزازة الغاز" و "سطل المي" من الحمام, و ذلك ايذانا ببدأ استخدام الطاقة الشمسية في تدفئة مياه الاستحمام. يتبع ذلك ايقاظ جميع الأولاد من أجل الاستحمام و التخلص من المياه المخزونة في " تنك المي" الذي لم يستخدم منذ قرابة السنة.
مع انتهاء أصغر الاولاد من الاستحمام و ارتداء الملابس الصيفية, تكاد الأخت الكبرى أن تنهي أعمال المطبخ و التي تشمل " جلي جلان الزيت" الفارغة و تعبئتها بالماء من أجل وضعها في الثلاجة لتبريدها. أما الأم فتكون قد أكملت تحضير الفطور ووضع "طاولة بلاستيك" أو "جمبيتين" في حوش المنزل من أجل تناول أول وجبة افطار صيفية.
بعد الفطور يتم توزيع المهام على جميع أفراد الأسرة, الأب يقوم بافراغ "صوبة الفوجيكا و جلان الكاز" ووضعهما في "السدة", الابن الأصغر يقوم بمهام الأب جميعها الا مهمة "وضع الصوبات في السدة" حيث تشتمل هذه المهمة على بعض الخطورة, لذلك تنحصر مهمته في هذه المرحلة بتثبيت "السيبة" تحت أقدام الأب خوفا من وقوعه.
الأم تقوم بتفريغ جميع خزائن الملابس, ثم تقوم بفصل الملابس الصيفية عن الملابس الشتوية, و ذلك لوضع "الشتوي" تحت السرير و "الصيفي" في الخزانة. أما مهمة طي الملابس فتكون من نصيب الأختين الكبرى و الوسطى. في هذه الأثناء, تقوم الأخت الصغرى باحضار "كيسين بلاستيك" لوضع الملابس المراد التخلص منها داخلهما و التصدق بهما على احدى العائلات الفقيرة.
الأخ الأكبر يقوم بجولة مع أصدقائه في سيارة الوالد, و ذلك بعد أن أعطاه عشرة دنانير لتعبئة غاز "الكوندشن" و التأكد من فعاليته التامة قبل خروج الأسرة الى "المشوار"
بعد عودة الابن الأكبر الى المنزل, يبدأ الجميع بارتداء الملابس الصيفية, يقوم الأب بنزع "البلبطوز", و هو بنطلون قطني ضيق يلبسه كبار السن في الشتاء تحت البنطلون أو الدشداش, و يقوم الابن الأكبر بنزع "جرابات البشكير" و استبدالها "بجرابات خفيفة", أما الأخ الأصغر فيحاول أن يلبس"طاقية و شورت و شباح" و لكنه يفاجأ "بكف ع رقبته " من الأم لعدم موافقتها على ملابسه بحجة أن الدنيا " لسه فيها نسمة".
يجلس الجميع في السيارة , و يقوم الأب باشعال المكيف و ترديد عبارة"جاييكوا هوا" بشكل مستمر, الابن الأصغر يفاجأ " بكف ع رقبته" من الأب و ذلك لمحاولته الخروج من فتحة السقف, أما الأكبر فيقوم بفتح نافذته سراً و ذلك لعلمه المسبق أن "الكندشن" لا يحتوي على غاز.
تتوجه العائلة الى احدى المتنزهات الطبيعية داخل العاصمة أو خارجها, يقوم الاب باشعال النار و شوي "اللحمات" بشكل سريع, تقوم الأخت الكبرى بتجهيز الجمبيات للجلوس, و يبدأ الجميع بالأكل, مع انتهاء "آخر لقمة" يشير الأب بعبارة"حضروا حالكوا", ترد الأم بعبارة "بدري, ما تريحناش من الأكل" و لكن يقوم الجميع لاصرار الأب على فكرة خروج جميع "الهمل" في هذا اليوم و عدم قدرته الجلوس في الأمكنة المكتظة بالشباب مع بناته
عند الوصول الى المنزل, يسرع الاخ الأصغر "لأخذ دش من ريحة الشوي", يقوم الأب "بالتطبيل المستمر" على باب الحمام لتذكيره بأن" غيره بده يتحمم", يخرج الأخ الأصغر من الحمام و يدخل الأب, يخرج الأب و يفاجأ الأخ الأصغر "بكف ع رقبته" و ذلك لانه "خلّص المي", يتوجه الأب الى السطح لاغلاق "محبس" السخان الشمسي و فتح"محبس" الكيزر, أو فك "قزازة الغاز" عن الغاز و تركيبها على الكيزر, ثم يعود ليستكمل حمامه

يجلس الجميع أما التلفاز, يفاجأ الأخ الأصغر "بكف ع رقبته" و ذلك لجلوسه بقرب الشاشة. بعد انتهاء "فيلم السهرة" , تبدأ الأم بترديد عبارة" يالله, بكرة مدارس" حتى يذهب الجميع للنوم باستثناء الأخ الأصغر( الذي لم يصل الى عمر المدارس), و الأب الذي يطلب من زوجته احضار "حبتين ريفانين" و كاسة مي من الحنفية لانه يشعر "بدوخه" و عليه"شوية حرارة" قد يكون سببها استحمامه بماء بارد, ثم يفاجأ الأخ الأصغر "بكف ع رقبته" دون سبب.



mustangman2074@yahoo.com