Sunday, June 3, 2007

بتطحن سكر

يروى في قصة الشاطر حسن أنه خرج مع أخويه للبحث عن أغرب ما في الوجود, ارضاء لوالدهم الملك و طمعا في عرشه من بعده, ثم افترق الاخوة, فذهب أحدهم من طريق النار و ذهب آخر من طريق الماء, أما الشاطر حسن فذهب من "الطريق اللي بتودي و ما بتجيب".
و يروى أيضا أنه التقى في طريقه بأحد الحكماء الذي أسدى له بعضا من النصائح, و أخبره عن أحد الأماكن الذي قد يجد فيه ضالته, و لكنه نبهه أن ذلك المكان تحرسه "غولة شرسة" تجلس على بابه ليل نهار لتمنع الغرباء من الدخول, و تلتهم أجسادهم حال رؤيتها لهم. فخاف الشاطر حسن من تلك "الغولة" و قرر البحث عن مكان آخر لعله يجد فيه ما يبحث عنه, و لكن الحكيم أخبره عن طريقة واحدة تمكنه من الدخول الى ذلك المكان الخطير, و هو أن يجلس في مكان قريب من "الغولة" و يقوم بمراقبتها لفترة من الوقت, فاذا كانت عيناها مغلقتين و رحاها "بتطحن سكر" فهي مستيقظة تبحث عن فريسة لالتهامها, أما اذا تغير حالها ففتحت عينيها و أصبحت رحاها "بتطحن ملح" فهي نائمة و باستطاعة الشاطر حسن الدخول لاحضار ما يريد.
قد تتضارب الآراء في أيامنا هذه عند تفسير مصطلح "بتطحن سكر" , فقد يفسره أحدهم بأنه مشابه لمصطلح " ساكت ع غش" و قد يراه آخر مشابه لمصطلح "واقف ع دقرة" أو "مستني نكشة". و حين يقول أحدهم للآخر بأن أبو فلان "بطحنله سكر" فذلك يعني أنه "ناويله ع نية" و لكنه ينتظر الوقت المناسب للانقضاض عليه و الفتك به كما تنتظر "غولة" الشاطر حسن طعامها المعتاد, و الذي يصلها بشكل مستمر, لأن "الغشيم" قد يظنها نائمة بعد رؤيته عينيها المغلقتين.
"كل البلد بتطحن سكر", تلك عبارة قلتها منذ أيام و أقصد بها أن جميع فئات الشعب "واقفة لبعض عالدقرة", فالموظف "بطحن سكر" للمدير و المدير يبادله "طحن السكر, و كلاهما "بطحن سكر" للمواطن. التاجر "بطحن سكر" للزبون و الزبون "بطحن سكر للتاجر", المدرس "بطحن سكر للطلاب" و الطلاب "بطحنوا سكر للمدرس", حتى الشوارع أصبحت مليئة بالسكر الناعم الذي ينتج من "طحن السكر" بين "الشوفرية". أما الأطفال فقد تعلموا "طحن السكر" من أفلام "توم و جيري" اللذان يعيشان "لطحن السكر".
شطحت في تفكيري مؤخرا في مسألة "طحن السكر" و أبعادها الاجتماعية و الاقتصادية, فتخيلت نفسي و قد اشتريت شوالا من "سكر الأسرة" و "خلاط مولينكس يعمل بالبطارية" و نزلت الى الطرقات لأبدأ في "طحن السكر" للجميع ابتداء بالتاجر الذي اشتريت منه السكر. بعد عدة "طحنات سكر" وجدت تلك المسألة صعبة للغاية و "مش جايبة همها" نظرا لارتفاع أسعار السكر التي وصلت الى نصف دينار للكيلو الواحد, و ارتفاع أسعار الأجهزة الكهربائة عموما, و "خلاط المولينكس" خصوصا, ذلك أنني رفضت شراء أي خلاط آخر صيني الصنع و أصررت على شراء الخلاط الأصلي المكفول لعدة سنوات.
تخيلت نفسي أيضا بعد عدة سنوات و قد أثقل كاهلي من ثمن السكر, و أثمان تصليح "خلاط المولينكس" الذي انتهت كفالته. و لكنني كنت مصرا على "طحن السكر" و بشكل مستمر احياء لذكرى تلك العادة المتأصلة عندي و التى قد ورثتها ممن سبقوني من "طحّينة السكر". حتى أنني أصبحت أشرب الشاي بدون سكر كي لا يضيع السكر هباء و لا أجد ما أطحنه لأحدهم في اليوم التالي.
تخيلت نفسي في نهاية كل يوم أرجع لمنزلي الذي لم أسدد أجرته منذ شهور, أجلس على شوال سكر مترحما على "طقم الموريس" الذي بعته بثمن قليل, أغسل "خلاط المولينكس" و أتركه لحظات قليلة لينشف, ثم أوصله بالكهرباء كي أشحن بطاريته, فبانتظاري يوم جديد لأطحن فيه السكر.