Wednesday, September 26, 2007

خسة

كثيرا ما يخترع الشباب "الشبيحة" في مرحلة المراهقة مصطلحات أو ألقاب يطلقونها على صديقاتهم الفتيات لوصفهم بشكل كامل و دقيق. و كثيرا ما ترتبط هذه الألقاب بالأشياء الملموسة و المحسوسة و "المأكولة" في عالم الشاب و بيئته. و مما يجدر ذكره أن لكل جيل مصطلحاته الخاصة والتي تختلف عن الجيل الذي سبقه أو الذي يليه.
احتلت الطيور مركزا متقدما بين تلك الألقاب عند الكثير من الشباب, فمصطلح "وزة" أو "بطة" يصف الفتاة الجميلة ذات الجسم الممتلئ, أما مصطلح "حمامة" فهو يصف الفتاة النحيلة ذات البشرة البيضاء و الطول الفارع.
و جاءت الخضروات في المرتبة الثانية حيث ظهر مصطلح "جزرة" ليصف الفتاة المكتنزة غير السمينة, و مصطلح "فلفلة" ليصف الفتاة اللعوب دائمة الحركة و النشاط, أما مصطلح "خسة" فهو أكثر المصطلحات قربا الى قلبي و لو كنت أملك قرارا لرشحت الشاب الذي اخترعه للحصول على جائزة نوبل في " الدواوين"
يصف مصطلح "خسة" فئة خاصة من الفتيات من عمر أربعة عشر عاما الي عمر ثمانية عشر عاما, و هو السن الذي تدخل فيه الفتاة مرحلة الدراسة الثانوية و تقوم فيه بتبديل لباسها المدرسي أو "المريول" الأزرق التي اعتادت على ارتداءه في المرحلة الاعدادية بمريول أخضر فاتح يشبه في لونه أوراق نبات الخس من حيث نضارته و جماله.
أذكر أنني اعتدت الوقوف مع الجموع الغفيرة من الشباب بعد انتهاء الحصة السابعة على باب مدرسة الفتيات الملاصقة لمدرستي, ثم نبدأ بتوزيع الغمزات و التعليقات و الابتسامات للكميات الهائلة من "الخسات" التي تتدفق و بشكل مستمر من باب المدرسة كأنك تقف وسط صحن من "السلطة". و كمثال للتعليقات "الديونجية" عبارة "امشي ع رمشي" و "يلعن عمري" أو التمتمة بعبارات غير مفهومة تفيد "انعطاب" أحد الشباب على تلك "الخسة". و لم نكن نكتفي بذلك فهناك طرق خاصة للفت انتباه "الخسات" منها تسريحة الشعر الغريبة أو اللحية و الشارب الخفيفان اللذان يميزان الشاب عن أقرانه من الآخرين الذين لم ينمو لهم الشعر بعد, ناهيك عن "كالونيا فريسكال" التي يضعها الشاب بالسر من زجاجة والده خوفا من ان يكسرها فوق راسه , وسعيد الحظ من كان والده او أخاه يمتلك نظارة "ريبان" فيستعيرها دون علم صاحبها "ليعرط" بها امام الفتيات فتغطي نصف وجهه و يتعثر برجليه حتى أثناء وقوفه.
أذكر أيضا أنني تعلمت التدخين على باب تلك المدرسة و ذلك لاثارة اعجاب احداهن و لكنها كانت صعبة المراس كمثيلاتها من الشقراوات طويلات القامة و لم تلتفت الى الجهة التي أقف بها, فما كان مني الا أن حفظت ماء وجهي و استمريت على عادة التدخين محاولا نسيان ما فعلته بي تلك الفرس الصهباء العنيدة.
كانت تلك أوقات الصيد, حيث يرمي الشاب بطعمه لتلتقطه احدى "الخسات" طامعا في أن توافق بعد عدة محاولات على ان تسمح له بالسير معها و "توصيلها" الى أقرب نقطة من منزلها دون ان يراه أخاها أو أباها. و قد تتطور العلاقة فيما بينهما ليجلس معها عدة دقائق على سور احدى العمارات التي تبعد عن منزلها مسافة أربع "حارات" أخرى على الأقل.
و لا يكاد يخلو اي صف ثانوي من "خسة" مميزة سلبت عقول جميع الشباب و باتوا يحلمون بالتحدث اليها او لفت انتباهها على الأقل و قد تخرج الأمور عن السيطرة لتصبح تلك الفتاة محور حديث جميع الشباب و سرد القصص المختلفة عنها من البعض عملا بمبدأ " اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول" الى ان يأتي أخوها "التوجيهي" ليبحث عن الشاب الذي شغل نفسه بنشر الاشاعات المغرضة عنها, عندها, ينكر الجميع معرفته لاسمها هربا من "البهدلة عالفاضي" و "قلة القيمة" الحتمية.
كم احن الى فترة "الخسات" من عمري, بل أعترف أنني استأذنت مبكرا في أحد الأيام و أنا في سنتي الجامعية الأولى كي لا أفوت "فكة مدرسة البنات" لأفاجأ بوجود بعض الشباب من الجامعة "يقزدرون" على باب المدرسة, و عند رؤيتهم لي تذرعت بأنني أسكن بالقرب من تلك المنطقة و حاولت دعوتهم الى الغذاء للتأكيد على ذلك.
في وقت كبرت فيه على "الخسات" لا أملك الا ان ارسل اليهن سلاما معطرا "بكالونيا فريسكال" ذات نكهة الياسمين و أتوقف قليلا لأشعل سيجارة أخرى دخنتها لأول مرة على باب احدى "الثانويات"




No comments: