Friday, May 9, 2008

عالسكين يا بطيخ

امسكت سماعة الهاتف لتتصل بأقرب سوبر ماركت, أجابها البائع الشاب بصوت لا تخلو منه نبرة الترحيب: صباح الخير يا سيدتي, كيف بامكاني مساعدتك, تحدثت اليه بلغة عربية تكاد ألا تكون مفهومة: ماما تريد واحد أورانج جوس وواحد بطيخة , ودي لفيلا دكتور حسن, شكرا, باي. أنزلت سماعة الهاتف ثم توجهت الى غرفة النوم لتحضر النقود من ماما. خلال دقائق معدودة قرع الجرس, فتحت الباب لتجد البائع قد أحضر ما أوصته, أعطته ورقة نقدية واحدة و طلبت منه الاحتفاظ بالباقي.

في المساء, حضر الدكتور حسن الى المنزل كعادته, ألقى التحية على زوجته و أطفاله الذين يشاهدون التلفاز, توجه الى غرفته, ألقى بمفاتيح سيارته الحديثة على الطاولة, ووضع هاتفه النقال و نظارته الشمسية في احد الأدراج, خلع بزته الفاخرة و لبس بنطالا قماشيا و قميصا ذو أكمام قصيرة, ثم توجه الى غرفة المعيشة ليجلس على كرسي مائدة الطعام الجاهزة, تناول عشائه, ثم أحضرت له الخادمة ذاتها طبقا من البطيخ الأحمر البارد, تناول قطعة صغيرة و أكل ما يقارب نصفها, أخرج البذور السوداء ووضعها في منفضة كانت امامه, ثم ذهب ليشاهد التلفاز مع اطفاله و زوجته.


في ذات المدينة, و في مكان لا يبعد عدة كيلومترات عن فيلا الدكتور حسن, و بفارق زمني لا يتعدى الربع ساعة, خرج أبو سلامة من احدى الدوائر الحكومية التي يعمل بها بعدما أنهى دوامه, اتجه فورا نحو موقف الباص, وقف قليلا خارج المظلة الممتلئة بموظفي و موظفات دائرته, ألقى عليهم السلام, ثم ادار ظهره ليلمح "عريشة بطيخ" في الشارع المقابل, فكر قليلا, ثم أخرج محفظته القماشية ليعد ما بها من نقود, أعادها الى مكانها في جيبه الخلفي, ثم هز جيوب بنطاله الأمامية ليتاكد من وجود " الفراطات" التي تزيد عن أجرة الباص بقليل.

توجه مسرعا نحو " عريشة البطيخ" مضحيا بدوره في طابور الباص الذي أصبح في وسطه رغم أن الباص لم يأت بعد, قطع الشارع بهرولة خفيفة و هو يعض على شماغه الى أن وصل الى الجهة المقابلة و هو يعاني من احتباس في صدره الذي لا يقوى على الركض, وقف قليلا ليلتقط أنفاسه, هز جيوبه الأمامية لكي لا يدع مجالا للشك في نفسه أنه يحمل " فراطة", ألقى التحية على بائع البطيخ ثم سأله بصوت أجش يؤكد لسامعه أنه أمضى سنوات طويلة في تدخين أرخص أنواع التبغ,: بقديش كيلو البطيخ يا خال؟
- ببريزة يابا, نقي و استحلي, و عالسكين
- أوف يا ابن الحلال, بريزة كثير... عويش؟
- بطيخ زيزيا يابا, أحمر زي الدم, اذا مش حمرة رجعلي اياها
- يا رجل كل البطيخ أحمر.. ليش بي بطيخ اسود؟

تناول أبو سلامة نظارته الطبية من جيب سترته, و بحركة لا ارادية أخذ يمسحها بطرف شماغه المهدب, وضعها و مد يده باتجاه أكوام البطيخ المرمية على الأرض, تفحص أول بطيخة, حملها بيديه ليتأكد من وزنها, ربت بيده عليها, ثم وضعها و تناول أخرى, ربت بيده عليها ثم أمسك عروتها, ثم وضعها و تناول أخرى.

استقر على البطيخة الخامسة, بعدما ربت عليها, و أمسك عروتها, و دحرجها بيديه, و أدارها باتجاه عقارب الساعة , ثم قال للبائع, اذا مش حمرة تراني راجعلك.
عض أبو سلامة مرة أخرى على طرف شماغه و تناول البطيخة بعدما دفع ثمنها و أخذ الباقي, ثم قطع الشارع متوجها نحو موقف الباص ليجد أن الطابور قد كبر دون أن يأتي الباص بعد, وضع البطيخة على الأرض ليرتاح من وزنها, ثم أشعل سيجارة في انتظار الباص الذي جاء بعد أن تلاشى الأمل.

طرق أبو سلامة باب منزله برجله من شدة التعب الذي أرهقه به وزن البطيخة, فتح سلامة الباب و هو على علم يقين أن أباه خلفه, انشرح صدره و هو يتناول البطيخة عن والده, أما الأخ الأصغر, حمدي, فقد صاح بأعلى صوته:" يما...أبوي جابلنا بطيخة"
توجه أبو سلامة نحو غرفته, خلع ملابسه و شماغه و لبس دشداشه الأبيض, ثم توجه نحو حوش المنزل ليجلس على فرشة الصوف التي أعدتها له زوجته, اجتمعت حوله الأسرة كاملة في انتظار طعام العشاء التي ما لبثت أن أحضرته أم سلامة.

بعد العشاء, و قبل أن يغسل أبو سلامه يديه, طلب من زوجته أن تحضر له سكينة حادة, و سدر فاضي, بالاضافة الى البطيخة التي أحضرها, قامت الزوجة على عجل يتبعها طفلها الرضيع و أحضرت له ما طلب.

التف الجميع حول رب الأسرة و مصدر رزقها الوحيد ليشاهدوا منظر ذبح البطيخة, أمسك أبو سلامة السكين و سمى بالله وغرزها داخل البطيخة, ليخرجها من الجهة المقابلة
كان سلامة أول من لاحظ أنها ليست شديدة الاحمرار, بل هي أقرب الى البياض فصاح قائلا: هاي قرعة, لم يفاجأ الأطفال الآخرون فلم يكن لونها ذا أهمية تذكر بالنسبة لهم, فهي لم تزل بطيخة, أم سلامة لم تتفوه بكلمة واحد, أما أبو سلامة فقد تمتم بكلمات لا تكاد تكون مسموعة معزيا نفسه:
" مليح اللي هي مش سودة"

3 comments:

Anonymous said...

Nice one MM

Anonymous said...

مع اني تعبت من القراءة و الساعة صارت 12 و عندي دوام بكرة بس مش قادرة الا اني اقرأ
ما شاءالله كتابات اكتر من رائعة
مش مجاملة بس اشي روعة

Anonymous said...

معبرة جداً